قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Friday, June 12, 2009

عن سوبر مان الجديد - 2



هكذا - لو كنت مازلت تذكر المقال السابق - يبدو أن الثقافة الغربية تفرغت لتكريس فكرة أن سوبر مان الجديد هو اليهودي الزنجي الشاذ. ورهاني الذي لا أملك دليلًا علميًا يؤيده هو أن هذا الاتجاه الإعلامي يضيف للوجود المزيد من الشواذ (فهو لن يضيف زنوجا ولا يهودًا بالطبع!).

تخيل أن (جيمي) يهوى العبث في أنفه.. هذه عادة قذرة، وهو يحاول إخفاءها والتخلي عنها.. ثم يجد أن الإعلام كله يؤكد أن العبث في الأنف شيء طبيعي وحق للبشر، ومن يعترض عليه عنصري، ويكتشف أن هناك جمعيات كاملة ومظاهرات تدعو لحرية العبث في الأنف.. هل يتخلّى (جيمي) عن عادته؟ بالطبع لا.. سيدس إصبعه في أنفه في كل مكان والويل لك لو اعترضت.. بينما كان من الممكن أن ينجح بمعونة بسيطة في التخلي عن هذه العادة.

هكذا يعود الغربيون لمراجعة كل شيء، وبالتالي لم يعد هناك شيء بريء على الإطلاق. هم لا يبحثون عن هذه العلاقات من منطق الرقابة، بل من منطق أن هذا موجود منذ زمن سحيق ونحن كنا أغبياء لا نفهم.. قرأت مقالًا عن شيرلوك هولمز وصديقه العتيد د. واطسن.. يرى صاحب المقال إن واطسن كان امرأة على الأرجح، أو هو رجل على علاقة بهولمز.. لا يوجد لدى الغربيين اليوم تفسير لصداقة حميمة بين رجلين سوى هذا. لا يوجد شيء بريء لكن هناك افتراض سوء نية رهيب.

هناك مواقع إنترنت تحلل العلاقة بين المحاربة (زينا) وصديقتها.. من جديد هناك شكوك في تلك الصداقة. هل كان العجوز البخيل الذي يستضيف (أوليفر تویست) مولعًا بالأطفال Pedophile؟ حتى (دان بویل) مخرج فيلم (مليونير العشوائيات) قيل إنه يحمل ميلًا غير طبيعي نحو الأطفال.. والدليل؟ أنه قدّم فيلمًا جميلًا عنهم.

كل شيء مريب.. كل شيء غير مريح.. في الوقت ذاته هم لا يفتشون في الضمائر من أجل تدعيم القيم المحافظة مثلًا، بل ليؤكدوا أن (العملية بايظة) منذ عشرات السنين.. لقد كانت هذه الأمور موجودة دائما ونحن نتجاهلها بضيق أفق!!

هل يمكنك أن تجد شيئًا مريبا في قصص (باتمان) التي ابتكرها (بوب كين)؟ هناك عالم نفسي مجنون اسمه (فيرتام) رأى أن القصص غير أخلاقية تماما. وكتب عام 1954 كتابا اسمه (غواية الأبرياء)، وفي هذا الكتاب يلاحظ أن عالم (باتمان) رجولي تماما.. هو والفتى (روبين) فقط.. أليس هذا دليلًا كافيًا على كل شيء؟ هكذا اضطر مؤلف (باتمان) اضطرارًا إلى خلق شخصية الفتاة الوطواط والمرأة القطة وجاء بعمة بروس واين من بلدهم لتقيم معه في قصره! هذه شخصیات اخترعت اختراعا لدفع التهمة!!

في ذلك العصر كانت تهمة.. ربما يصنعون تمثالًا لبوب كين اليوم، وكان سيسعى سعيا لتأكيد التهمة لا نفيها!

(ملحوظة خارج السياق: القصص المصوّرة التي اعتمد عليها فيرتام في كتابه لإثبات أنها مفسدة للنشء تباع اليوم بسعر الذهب!).

شاهدت حلقة عن مفهوم الأسرة في برنامج (هراء) - الترجمة المهذبة للعنوان - الذي يقدمه شيطانان ظريفان سليطا اللسان هما (بن) و(تلر). البرنامج قائم على هدم معظم الخرافات التي صارت عادة لدينا، ومنها الطب البديل ومخاطر البيئة..إلخ. في تلك الحلقة يُضيف البرنامج لقائمة الخرافات خرافة جديدة هي الأسرة!!

البرنامج يلتقي بعالمة نفسية مخبولة تؤكد له أن مفهوم الأسرة يتطور مع الزمن.. لم يعد مفهوم الأب والأم والأطفال الذين يعيشون في بيت واحد هو المعنى الصحيح للأسرة.. نكتشف الأرقام التالية:
  • طفل من كل 25 طفلًا أمريكيًا ليس له أبوان معروفان على الإطلاق!
  • طفل من كل 3 أطفال يعيش مع أبوين غير متزوجين!
  • طفل من كل طفلين يعيش في بيت مع والد واحد فقط!
  • عشرة ملايين طفل يعيشون في بيت مكون من أبوين شاذين (يعني الطفل يعيش مع أب وأب أو أم وأم)!
يلتقي البرنامج مع مفكر متحفظ يدعو للأسرة التقليدية التي خلقها الله: أب يسعى للرزق وأم تعنى بالأطفال والبيت.. يوسعه البرنامج سخرية، باعتبار هذه الأسرة هي بالضبط ما كان يفعله رجل الكهف. ثم يقول البرنامج إن المدافع الرئيس عن فكرة الأسرة هم السياسيون الجائعون إلى أصوات الناخبين، ويظهر صورة لجورج بوش. هكذا صارت الأسرة التقليدية تعني جورج بوش بأذنيه الكبيرتين وعينيه الغبيتين. قضية خاسرة تمامًا.. ربط أية قضية ببوش معناه أنها خسرت.

ويرينا بيتا من عشرة ملايين بيت تعيش فيه أمان تربیان طفلين.. لا يوجد أب.. أما عن كيفية رزقهما بالطفلين، فقصة معقدة تقوم على الحصول على الأمشاج من شقيق واحدة منهما! كيف يكون الطفل ابنهما إذن؟ ما تفعلاته في الواقع هو أن واحدة تربي ابن أخيها.. إنها عمته يا مخابيل وليست أمه.

لكن البرنامج يحاول إقناعنا أنها أسرة مستقرة، تطهو للأولاد وتعلمهم الرسم وتقرأ لهم القصص، ويلتقي بالعالمة النفسية التي تؤكد أن ما يمكن أن يؤدي لخلل نفسية الطفل ليس نوع الأبوين، بل الفقر والبطالة.. يعني الاقتصاد هو المقياس الوحيد لتربية الأطفال.

هناك أمثلة أخرى يشيب لها شعر رأسك. لهذا لن أقدمها، لأني صدمتك بما يكفي اليوم.

النتيجة؟ فعلًا لا أفهم لماذا لا تنهار تلك المجتمعات حتى هذه اللحظة؟ ربما كانت عملية النخر تحتاج إلى وقت أطول مما تصورت، أو إن انهيار المجتمعات يعتمد على عوامل اقتصادية أكثر منها أخلاقية، أو لأن المجتمع الغربي يملك قدرة فائقة على تصحيح المسار بسبب حيويته الديمقراطية.

هم أحرار فيما يعتقدون، لكني بالفعل أخشى تسرب هذه الثقافة إلينا. المشكلة أن خرطوم الثقافة الذي يتدفق من عالمهم لعالمنا فيه مرشحات ضيقة تسمح بمرور هذه السخافات، بينما تمنع مرور الأشياء المهمة فعلًا مثل ميكانيكا الكم وقيم العمل والدقة العلمية.. إلخ.

هذه الثقافة تتسرب لنا.. لا تزعم أن هذا ليس صحيحًا لو سمحت. ويكفي أن تبحث في بعض المنتديات والصفحات السرية على النت لتجد أن هناك من يرفع صوته خافتًا معتبرًا نفسه أقلية مظلومة في بلد متوحش متعصب. ولسوف تتساقط قطرات أكثر في الأعوام القادمة، ولسوف ترسم خطًا على الصخر بلا شك. ومن جديد أكرر: أنا لا أطالب بقطع الرءوس والسجن.. أطالب بالطبيب النفسي لا أكثر ولا أقل.