قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Saturday, June 6, 2009

عن سوبر مان الجديد - 1


peakpx.com

بسبب ولعي بالسينما أتابع الأفلام الغربية باهتمام شديد، وإن كان هذا الاهتمام يقتصر غالبًا على روائع الستينيات والسبعينيات التي سمعت عنها، ولم أرَها؛ لأن سنّي لم تكن تسمح بهذا في ذلك الوقت، والتي تُقدّم غالبًا على قناة TCM، ولهذا أندهش عندما أتابع الأفلام الغربية الحديثة جدًا؛ بسبب نغمات تتكرر بإلحاح مزعج وبلا توقف.. هناك نغمة تقدير واضحة للزنجي.. هذا شيء جميل فعلًا، ويناقض ما عرفته في صباي من نوازع عنصرية لا تخفى لدى السينما الأمريكية.. ويبدو أن هذه النغمة قد بلغت ذروتها على أرض الواقع بانتخاب أول رئيس أسود للولايات المتحدة.. لو كنت قد رأيت دور (مورجان فريمان) في فيلم (بروس الجبار) لفهمت إلى أي مدى يمكن أن يبلغ تقديس الزنجي، (وأعتذر عن التفسير أكثر).

النغمة الثانية هي نغمة تقديس اليهودي، وهي نغمة قديمة جدًا ومعروفة.. لا جديد فيها لو تذكرنا أن أول فيلم أمريكي ناطق على الإطلاق كان هو فيلم (مغني الجاز) الذي يحتوي على صلاة يهودية كاملة ويحكي عن معاناة أسرة يهودية للوصول إلى المجد.. من يعرف السينما الأمريكية جيدًا يُدرك أن المسيحي كيان نادر في هذه الأفلام، فبطل الفيلم العبقري اليهودي (ديفيد) أو (روبين) هو الأساس.. ولابد من مشهد بالطاقية في المعبد اليهودي حتى لا تنسى شيئًا.. وغالبًا ما يتم خلط مفهوم اليهودي بمفهوم الإسرائيلي بخبث شديد بحيث يصير من يمقت إسرائيل معاديًا للسامية، وفي حوار قرأته مع الثنائي اليهودي الأخوين (كوين) -وهما علامة معاصرة من علامات السينما الأمريكية- يقول أحدهما إن ما يجذبه لكتابة سيناريو هو شيء واحد فقط: هل هذا السيناريو مفيد لإسرائيل أم لا؟!

النغمة الثالثة التي لن أقبلها -ولو بعد ألف عام- هي نغمة تقديس الشاذ جنسيًا، هذا شخص حساس يُعاني الاضطهاد وسوء فهم المجتمع، وكل شيء قد يجرح مشاعره.. لنكن متحضّرين ونحترم رغبته هذه.. هذه نغمة لم تكن موجودة منذ عشرين عامًا، لكنها اليوم ملحة بشدة، وتعرضها السينما الأمريكية بكثير من الفهم والفرحة وربما الفخر!

هكذا تجد أن السوبر مان الجديد الذي تعدنا به السينما الأمريكية هو اليهودي الزنجي الشاذ! وقد بحثت -على سبيل التسلية- عن هذا الشخص على شبكة الإنترنت فوجدت موقعًا مخصصًا لليهود السود الشواذ يتكلمون فيه بتعالٍ وغطرسة باعتبارهم الصفوة! وفي فيلم (أفضل ما تصل له الأمور) يلعب جاك نيكلسون دور شخص عنصري مريض لا يُطاق، يضطر للتعامل مع الزنوج واليهود والأسوأ مع جاره الشاذ.. يكتشف أن جاره إنسان حساس رقيق جدًا وشفاف يوشك على التحليق بجناحين.. تكون نتيجة هذه التجربة أن نيكلسون يغتسل بالكامل من قذارته السابقة ويسمو!

لا أحد يطالب بقطع رأس الشواذ أو سجنهم، ولكن أطالب بعلاجهم أولًا، وبعدم اعتبارهم النموذج الأسمى للجنس البشري كما يحاولون إقناعنا، وهي صورة عجيبة للسوبر مان لابد أن الخواجة نيتشه كان سيُصاب بالفالج لو سمع عنها!

الشذوذ الجنسي مرض نفسي على عيني وراسي.. مرض يحتاج إلى علاج كالدرن بالضبط، لكن الأخوة الغربيين في أمريكا وأوروبا يصرّون على أن الدرن ليس مرضًا، إنه طريقة حياة! لا تتضايقوا من هذا البائس عندما يسعل.. اتركوه يبصق دمًا.. اتركوه يتنفس في وجوهكم فأنتم متحضّرون ولستم عنصريين.. هذا حق طبيعي ورفضه من الفظاظة بمكان.

هناك تيمة تتكرر في الأفلام الأمريكية ورأيتها مثلاً في أفلام (كابوت) و(أن تكون جون مالكوفيتش) و(كنيزي)، وهي تيمة أن البطل أو البطلة يعاني التوتر والاضطراب النفسي والاكتئاب ثم يصل للسلام مع نفسه ويتصالح معها عندما يعترف لها أنه شاذ. وفي فيلم مصري شهير يصل البطل للسلام مع نفسه وهو يشاهد حفلًا لأم كلثوم تغني فيه (قد إيه من عمري قبلك راح وعدّى يا حبيبي) فتدمع عيناه ويكتشف أنه مثلي.. ويقرر أن يستكمل حياته بهذه الطريقة!

عندما يكتب أحدهم تعليقًا ما في الإنترنت أو يُبدي شيئًا من السخرية، يهبّ الجميع صارخين: على رسلك.. هذا قد يجرح نفسية المثليين! ويجد صاحب التعليق نفسه في موقع المدافع عن نفسه الذي يؤكد أن نيته كانت صافية والله العظيم.. مَن أنا كي أجسر على إيذاء نفسية هؤلاء القوم مرهفي الحس؟

أحيانًا يثير الغربيون جنوني.. إن دودة (أنكوسيركا فولفويولس) التي سببت عمى الأنهار في قطاعات كاملة من إفريقيا توشك اليوم على الانقراض؛ بسبب سياسة منظمة الصحة العالمية الناجحة والرجل العظيم (إبراهيم مالك سامبا). هنا تفاجأ بمن يطالب بالتعقل والتوقف باعتبار هذه الدودة من الأنواع المهددة بالانقراض Endangered species! قرأت مقالًا عن هذا الموضوع كاد يصيبني بالشلل.. ما هذه الرقة؟ هل تحوّل الجميع إلى نسخ من (غاندي) بينما ظللت أنا وغدًا؟

رهاني هنا هو أن هذا التسامح والتقديس غير المبررين يُنشئان المزيد من الشواذ الجدد.. الطبيعة تقلّد الفنان وهناك كثيرون لم يكونوا ليصيروا كذلك لولا هذا التسامح الإعلامي الأسطوري.. بينما من المفيد للمجتمع فعلًا أن يظل اسم الخطأ هو (الخطأ).. المؤمن العاصي له وضع خاص أفضل بكثير من وضع الكافر. تقول لهم إنه سيأتي يوم يُبيحون فيه السرقة باعتبارها مجرد خلل نفسي، فيقولون لك: السرقة فيها مساس بممتلكات الغير وحريتهم بينما الشذوذ لا يفعل ذلك!

كل واحد من الناس له أركان روحه المظلمة، لكن من الخير لهذه الأركان المظلمة أن تظل حيث هي.. وإذا بليتم فاستتروا.. ليس من الواجب أن تصير الانحرافات شيئًا معتادًا وحقًا مكتسبًا مَن يرفضه عنصري ووغد ذو ميول نازية! إن المجتمع الغربي هو من سمح للعقدة أن تبلغ أقصى مداها وإلا لعاملها كمرض وعالجها.

والنتيجة هي أن ترى في كل يوم صورة لمظاهرة في ميدان عام بالغرب، يقف فيها حلوف مشعر عاري الصدر يضع مساحيق أنثوية كاملة، ويحتضن حلوفًا مشعرًا آخر في حنان، هذان عاشقان.. لماذا تضايقونهما يا متوحشون؟ وتقرأ عن مئات الأسر الغربية التي تتكون من أبوين من نفس الجنس.. سوف أتحدث عن هذا بالتفصيل في المقال القادم إن شاء الله.

كالعادة تلح هذه المفاهيم كقطرة الماء على عقولنا المصرية.. قطرة.. قطرة.. قطرة.. في النهاية تتكون الفجوة، يمكنك أن ترى كيف قُدّم الشذوذ الجنسي على استحياء في فيلمي (حمام الملاطيلي) و(الصعود إلى الهاوية) برغم صراحة الفيلمين الصادمة عامة، واليوم صار الشاذ جنسيًا موجودًا في معظم الأعمال الفنية، وعما قريب سوف يصير وجوده عاديًا وربما مطلوبًا.

.......

وللحديث بقية