iStock |
شاعراً بالغيظ الشديد قرأت مقالاً لأحد المجهولين يتهم فيه الراحل الكبير (عبدالوهاب المسيري) بالسرقة منه في موسوعته الشهيرة عن اليهودية. ليس المجال مجال الرد على هذا الكلام الفارغ طبعاً، لكن المقال جعلني أتساءل: إذا كان الجميع يسرق بهذه الفجاجة، فماذا عني أنا؟
لا أتكلم عن قيامي بالسرقة فهذا ليس موضوعنا طبعاً، وأرجو ألا تعتبره كذلك، لكني أتحدث عن قيام الآخرين بالسرقة مني.
رحت أتفقد الكتب التي عندي وبدأت أفطن لحقائق مروعة، ويبدو أنني كنت نائماً في العسل كل هذه السنوات.. تشيكوف مثلاً اقتبس الكثير جداً من أفكاري وتعبيراتي ولم يشر للمصدر.. لا جدوى من مقاضاته لأنَّ الرجل مات في بدايات القرن الماضي، ولا أعرف كيف أجد ورثته.. ليكن .. سوف أتجاوز عن تشيكوف وأشكر له أنه نشر أفكاري باللغة الروسية، لكن ماذا عن العقاد مثلاً؟ هذا الرجل لا يكف عن استخدام أفكاري. إنه يضع نقطة في نهاية كل جملة... ينصب خبر كان واسم إنَّ. يضع فواصل بين الجمل التي تؤدي معنى واحداً.. هذا الرجل غريب فعلاً.. وماذا عن تشارلز ديكنز؟ كلام الأبطال يوضع بين علامتي اقتباس.. هل هذه صدفة أيضاً؟ (مارك توين) أخذ مني فكرة المقال الساخر القصير ولم يقل إنني صاحب الفكرة. ويبدو أن (برنارد شو) أخذ فكرة السخرية مني كذلك، وله مسرحية شهيرة اسمها (بجماليون).. أنا كتبت قصة بذات الاسم.. قد تقول إنني كتبت قصتي بعد مسرحية شو بمائة عام، لكن هذا لا يدل على شيء فالزمن لا وجود له في عوالم الأدب.
والآن ننتقل إلى أكثر من سرق مني: المتنبي.. ألست أنا القائل: «أنياب الأسد لا تدل على أنه يضحك»؟ هذه الفكرة العبقرية سرقها ثم كتب بيت شعر خلده في الأدب: إذا رأيت نيوب الليث بارزة ** فلا تظنن أن الليث يبتسم
فإذا عدنا في التاريخ أكثر وجدت قصة عن صديقين جبارين مات أحدهما وراح الآخر يبحث عن سر الخلود.. أليست هذه قصة قديمة لي كتبتها في الصف السادس الابتدائي؟ الملحمة البابلية جلجاميش لم تفعل سوى سرقة ما كتبته أنا ودونته على ألواح مسمارية.
قائمة بلا نهاية من السرقات، والحقيقة أنني لو أردت استرداد حقوقي لقضيت عشر سنوات لا أفعل شيئاً سوى لقاء المحامين وخبراء الملكية الفكرية. فقط أنصحك ألا تسرق شيئاً من هذا المقال من فضلك لأنني لن أتسامح بعد اليوم.