حريق فى طنطا: فى تلك الليلة السوداء احترق جزء مهم من تاريخ طنطا ومعالمها. وقفت على سطح البناية أرمق الأفق وقد تحول إلى لون النار، وعندما رأيت مسرح الحادثة فى ما بعد أصابنى الهلع. تحولت «شركة بيع المصنوعات» إلى شبح أسود جاثم مغطى بالهباب.. كامرأة أنيقة مهذبة مزقوا ثيابها وبكت فسال الكحل من عينيها. «شركة بيع المصنوعات» انتهت، ولو تزايد الحريق أكثر لالْتهم شارع الخان وشركة «أسعد» وسوق ناصر ومحل نور الدين.. من يسكنون طنطا يعرفون أن طنطا لا وجود لها من دون هذه الأسماء، وكان من الممكن أن تتسلل النار أكثر لتهاجم خلفية مسجد السيد البدوى.. جزء مهم احترق من قطاع ذكرياتى ولن يعود أبدا. وقفت هناك فى الصباح أصغى إلى المارة. سمعت 26 نظرية عبقرية عما حدث، لكن أهم النظريات كانت: 1- مشاجرة الباعة البلطجية الذين سكبوا على فرش بعضهم الكيروسين وقذفوا الشركة بالمولوتوف. 2- حريق مفتعل لإخفاء اختلاس حسب الهواية المصرية المحببة. 3- الطرف الثالث الذى يريد حرق البلاد وعمل فوضى. لا أعرف ما ستفضى إليه التحقيقات ومهمة المحقق صعبة فعلا، لكنى أميل طبعا إلى نظرية إخفاء الاختلاس فهى أقرب إلى المنطق، فهذا السيناريو حدث ألف مرة من قبل.. (تمرين مشهور) كما يقول الأستاذ سلامة مُعلِّم الرياضيات فى مدرستى. خسارة طنطا فادحة على مستوى البشر أو التكاليف المادية أو القيمة الإنسانية والتاريخية، ومن جديد يتساءل المرء: متى ينتهى هذا كله؟
الجيزاوى: قضية الناشط السياسى والمحامى الشاب أحمد الجيزاوى قد هزتنا جميعا، خصوصا أن الرجل نال تأشيرة دخول المملكة. أى أنه دخل إلى مصيدة معدة سلفا. وبالطبع كان أول ما سمعناه هو أنه متهم بالعيب فى الذات الملكية، ثم عرفنا أنهم يتهمونه بتهريب 120 ألف قرص زاناكس، وفى رواية أخرى ترامادول. كلام السفير السعودى أحمد عبد العزيز قطان متعقل ومتحضر، لكن أصارحك يا سعادة السفير بأننا غير مرتاحين.. ما حدث مع خالد سعيد يرحمه الله، الذى قُتل من الضرب، ثم ادَّعوا أنه تاجر بانجو وحاولوا تدمير سمعته، هذا الذى حدث علَّمنا أن نكون قلقين متشككين. السؤال هو: ما الذى جعل الناشط الحقوقى والمحامى الشاب يتجه فجأة لتهريب المخدرات، ولماذا لا يحمل تاريخه أى نشاط مماثل؟ ولماذا يفعل ذلك وهو مسافر مع زوجته؟ لم نسمع من قبل عن تهريب له، هذا الطابع (السياحى العائلى). ولماذا يفعل هذا وهو ذاهب للعمرة؟ ولماذا لم تقولوا هذا منذ البداية؟ ولماذا لم تحكموا عليه حكما صارما وأنتم لا تتسامحون أبدا مع من يهرِّب المخدرات إلى المملكة؟ أسئلة كثيرة مقلقة. فقط ليطمئن قلبنا نرغب فى أن نرى أدلة أكثر عن الجيزاوى أو نسمع اعترافه بكلمات واضحة. فى ما عدا هذا هو عندكم يا سعادة السفير، ويمكنكم الإفراج عنه أو اتهامه بقتل كنيدى ويوليوس قيصر إذا أردتم، ونحن لن نعرف الحقيقة أبدا، خصوصا أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين أقوى من ألف حقيقة
تذكرت هذه القصة مع تلك الحملة الغاضبة على عادل إمام والحكم بحبسه. لست من المتحمسين جدا لعادل إمام. فى الأعوام الأخيرة صرت أعتبره جزءا من الحكومة والحزب الوطنى، كما أنه صار يلعب فقط دور (التايكون) واسع الثراء والنفوذ فى أفلامه، وهذا يعكس تغيرا فى فكره بلا شك.. فترة طويلة فصلت بينه وبين كاتب المحامى الجائع، أو الأب الذى يبحث فى المجمع عن موظف ينقل أبناءه إلى مدرسة أخرى. أذكر مرة واحدة بدا لى فيها أنه تجرأ على الدين فعلا عندما راح يردد (عبد الحبشتكير) فى مسرحية (شاهد ما شافش حاجة). اقشعر جلدى لهذا العبث باسم من أسماء الله الحسنى، وبالفعل تمنيت لو تحذف الرقابة هذا الجزء، لكنْ هناك مثال أقوى تسمعونه كل أسبوع مرة، عندما يقول القصرى فى فيلم قديم: «ونرزقكم من حيث لا تدفعون!»ـ
هنا عبث بالدين فعلا، وليت الرقابة تحذفه، لكن الأغرب هو أننى شعرت بصدمة وتقزز، بينما راح الناس يضحكون ولم يقولوا أى شىء وقتها. هل تعرف السبب؟ لأن عادل إمام والقصرى لم يهاجما الجماعات أو الجلباب واللحية! بعبارة أخرى لم يغضب أحد لدين الله، إنما غضبوا للإهانة الشخصية
عندما بدأ عادل إمام يهاجم الإسلاميين والمتطرفين فقد هاجمهم بعنف وشراسة، خصوصا أنه كان يقدم أفلامه فى ذروة سنوات الإرهاب وتفجيرات حافلات السياح وحادثة الأقصر وحرق أندية الفيديو.. إلخ. لم ينس أحد هذا وصمموا على الانتقام. وقد جاءت الفرصة الآن. لم ينسوا رحلته للصعيد لتحدى الإرهاب فى عقر داره ولم ينسوا كيف كشف أوراق اللعبة فى «طيور الظلام».. لماذا أُثير هذا الموضوع الآن، بينما لم يتطرق عادل إمام إلى المتدينين فى أفلامه الأخيرة تقريبا (الزهايمر – بوبوس)؟ لماذا تذكّروا أفلامه القديمة ومنها أفلام لم يمس المتدينين فيها قط؟
نعم يجب أن يكون هناك سيف رقابى يقطع الرقاب.. أنا أؤمن بذلك.. لكنه سيف ضد إهانة الدين فعلا، مثل (آيات شيطانية) و(وليمة لأعشاب البحر) و(الخبز الحافى)، أو تلك القصيدة التى تشبّه الله -أعوذ بالله- بشرطى مرور، وقد كتبت من قبل: إننى أرفض تسمية هذا العبث باسم (إبداع). لكن لو أنصفت لوجدت أن عادل إمام هاجم المتدينين.. المتطرفين والإرهابيين منهم بالذات، ولم يخرج عن هذا. أما القول إن أفلامه فيها العرى والخمر، فليست أفلام عادل إمام أفلام بورنو.. هناك أفلام فى السينما حاليا تعرض العرى والاغتصاب وزنى المحارم ولم يهاجمها أحد.. فلماذا عادل إمام بالذات؟ لأن الخلاف شخصى وقديم
سجن عادل إمام سوف يؤدى إلى انخفاض سقف الاتهامات يوما بعد يوم. بعد أيام سوف يُصفُّون الحساب مع وحيد حامد.. ثم علاء الأسوانى.. ثم كل من كتب حرفا ينتقد فيه الجماعات المتطرفة. أذكر أننى رأيت تريلر فيلم (الرهينة) وكان فيه رجل ملتح يطلق الرصاص.. كتب أحد القراء على النت: إنه كان يشك فى إيمان مؤلف القصة، وها هو ذا قد ظفر بالدليل! تأمّل! لحظة من إعلان فيلم صارت دليلا دامغا.. طبعا كلنا رأينا الفيلم وعرفنا أن هذا الملتحى إرهابى روسى متنكر!ـ
بالطبع امتلأ النت بعبارات الترحيب بهذا الحكم الذى تأخر. والبعض رآه متهاونا. أى شخص سيكتب شاتما عادل إمام فى أى موقع، سوف يتلقى عبارات الإطراء. وهذا جزء من مسلسل كراهية الفنانين والحقد عليهم لدى الناس.. يصنعون الصنم ثم يتلذذون جدا بهدمه. ولا أشك فى أن معظم من كتبوا يؤيدون الحكم سوف يهرعون للتليفزيون لو عرض «مدرسة المشاغبين» أو حتى «مرجان أحمد مرجان»ـ
هناك تعليق طريف كتبه أحد الغاضبين ردا على كاتب تجاسر ودافع عن عادل إمام: «يا كاتب المقال، فيما أساء البلكيمى وأبو إسماعيل إلى الإسلام، بقى البلكيمى هو اللى أساء للإسلام لما طلع كداب ولا الإعلام اللى سن سنانه وبدأ يحطه هو والسلفيين والمتدينين والإسلاميين وكل واحد مربى دقنه فى كفة واحدة». تأمل الأسلوب المفكك والمنطق المختل (بقى فلان أساء للإسلام لما طلع كذاب؟ أمال مين؟) وهذا رأى آخر: «أوافق على القرار ولكن ثلاثة أشهر ليست كافية فأفلامه يستحق أن يُعدم عليها». ألا تنوون أن ترحموا الإسلام قليلا وتكفّوا عن تبغيضه إلى الناس؟ فيمَ آذاكم هذا الدين لتكرهوه إلى هذا الحد؟
هذه ليست قضية ضد عادل إمام.. لكنها قضية ضد القوة الناعمة لمصر التى يحاولون القضاء عليها نهائيا.. وهى آخر شىء نملكه. وكما يقول الفنان نبيل الحلفاوى: «همّ مستعجلين ع الضلمة ليه؟ بدرى بدرى كده؟ أحسن برضه علشان المصريين يعرفوا همّ داخلين على إيه بالظبط»ـ