قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, May 7, 2012

جمعة الجنون



فى جمعة الجنون يخرج الناس إلى العباسية قاصدين اقتحام وزارة الدفاع. فى جمعة الجنون يقولون إنهم معتصمون سلميون وإنهم يحملون مطالب محترمة مخلصة، لكنك تتساءل فى دهشة: جميل أن تخرجوا مطالبين المجلس بالرحيل، لكن ألم يقل المجلس إنه سيرحل؟ فماذا استجد؟ يقولون: مستحيل أن يرحل.. نحن نعرف هذا.. ما زلت أرى من الغريب أن يؤكد المجلس أنه سيرحل فتقوم مظاهرات لمطالبته بالرحيل. ثم تطالبون بسرعة إجراء انتخابات الرئاسة، مع أنكم تقدمون للمجلس مبررا عظيما لتأجيل الانتخابات. ثم تحدث اشتباكات كالعادة بين من يقول البعض إنهم أهل العباسية، ومن يقول البعض إنهم بلطجية أرسلهم المجلس ليندسوا.. وفى كل مرة يقسم كل طرف أنه لم يلجأ إلى العنف، وأننا لجأنا إلى الاعتصام السلمى وهم ذبحونا، وتضيع الحقيقة بين الطرفين. سوف يموت العشرات ويقال إن الجيش أطلق عليهم الرصاص، بينما يجلب الجيش سيارات محملة بالأسلحة كانت فى طريقها إلى المتظاهرين. يوجد حل بسيط وسهل هو التراجع إلى ميدان التحرير، لأن كل مرة حدث فيها حصار للمنشآت انتهت بمصيبة ومجزرة.. كل النذر والسماء المكفهرة تقول إن كارثة ستحدث، فلماذا تتركونها تحدث؟ هذا وضع مشتعل وليس أسهل من اندساس بلطجية أو انطلاق رصاصات لا يعرف أحد من أين جاءت.. فلماذا يا بنى؟

لماذا يحاصر البعض قيادة جيشهم ثم يجدون القدرة على الرثاء للنفس والشعور بأنهم ضحايا؟ تذكرت فيلم (صائد الغزال) الذى يحكى عن عذاب ومعاناة الأمريكيين فى فيتنام.. كتب الناقد سامى السلامونى مقالا بعنوان «مسكين فعلا يا صائد الغزال.. لكن لماذا ذهبت إلى هناك؟»ـ

فى جمعة الجنون يتكرر سيناريو محمد محمود ومجلس الوزراء بالحرف، غير أن الوضع هنا يختلف ونعرف يقينا أن هناك مرشحا رفض استبعاده وصمم على حرق مصر، على طريقة مبارك «أنا أو الفوضى». وهو منتشٍ بقوته وكثرة أنصاره وقد استبدت به روح القبلية والحقد بسبب انتزاع اللقمة من بين أسنانه، مع رفض تام للاعتراف بالخطأ أو أنه كذب.. فقط يؤكد أن العالم كله اجتمع لإسقاطه (لأنه رمز النور.. ولأنه كان ح يثور)ـ

فى جمعة الجنون، بدأ الجميع يتحدثون داعين إلى العقلانية.. نفس ما كنت أقوله قبل انتخابات مجلس الشعب، وكنت أقول إننا لا نريد المزيد من الشهداء بين الذين يطالبون بالثأر للشهداء. تلقيت سيلا لا ينتهى من الشتائم. وقيل إننى بعت الثورة وقال أحمق ما إننى صرت سلفيا لأننى كتبت عن السلفيين بشىء من المودة. لقد مللت تلقى الشتائم على النت حتى كففت عن قراءة التعليقات نهائيا. ما لاحظته هو: لا تكن محايدا أبدا، تطرى الفريق الآخر لو أحسن، وتلومه لو أخطأ.. الفريق الآخر مخطئ وقذر وعميل طيلة الوقت. يجب أن تأخذ باكيدج (إخوان – مجلس عسكرى – مجلس شعب – العباية بكباسين – البرادعى عميل) أو باكيدج (ثوار – غضب وشك دائم – الجيش هو جيش إسرائيل – كل قرار هو كارثة سوف ندفع ثمنها – العسكر يعرّون البنات ويكشفون على عذريتهن – الانتخابات مزورة). لا يمكن أن ترفض من الباكيدج شيئًا.. يجب أن تأخذه ككل. لا تكن سلفيًا ثم تغضب لتعرية الفتاة، ولا تكن ليبراليًّا، ثم تبدى إعجابا بشىء قاله الإسلاميون. الطريف أن الأمور اختلطت الآن وصار الإسلاميون ضد المجلس العسكرى، وهذا أدى إلى خلط شديد

فى جمعة الجنون، صار أبناء أبى إسماعيل هم الذين يحاربون (لمطالب فئوية ضيقة طبعا).. هنا اكتشف الجميع أن البلد تضيع منا، وأن هذه فوضى. سؤالى بصراحة: هل لو كان شباب الثورة هم من يحاصرون وزارة الدفاع، فهل كنتم ستطالبون بالتهدئة والتعقل وقتها؟ بالعكس.. كنتم ستحولونها إلى ملحمة. الثوار دائمًا على حق فى أى لحظة

سمعت الأستاذ أمين إسكندر فى قناة «الجزيرة» أمس، يقول إن الاعتصام أمام وزارة الدفاع هدم لفكرة الدولة ذاتها. ليس احتجاجا على الحكومة، بل على الدولة! وأضاف أن هناك نوعا خطيرا من تدليل الثوار وقبول كل ما يقومون به. لماذا لم نسمع هذا الكلام أيام احتجاجات مجلس الوزراء؟

الأستاذة نجلاء بدير التى نحمل لها كل احترام وحب طبعا، تدعو إلى التعقل والتهدئة فتقول «الخلاف سيمزِّق الوطن ويجب التوافق… ومن الأمور التى تسهم فى إبطاء ثورتنا ما نقوم (بتشييره) بحماس دون التنبه إلى ما قد يتركه من آثار تخدم الثورة. وأتمنى الانتباه إلى استخدام اللجان الإلكترونية للثورة المضادة لسلاح القصص المؤثرة الكاذبة، ولسلاح الكاريكاتير والشائعات، ولا ننقل أى (بوست) قبل التأكد هل يخدم الثورة أم يسعى لإجهاضها تدريجيا. فقد وضعت صفحة على (فيسبوك) صورة أمّ على أنها أمّ شهيد ثم علّق شاب بأنها والدته ولا يوجد له إخوة!! ولننتبه إلى تجنّب نقل كلام البكائيات عند كل أزمة أو فوضى أمنية وإشاعة الذعر مثل: خسارتك يا مصر تليفزيونك بيشتمك ومبانيكى بتتحرق وشعبك يا إما بيموت يا إما مرعوب!! ولنتذكر د.وجيه الشيمى الذى انتشرت صورته على النت بعنوان (سيادة النائب نايم)، واتضح أنه أول نائب كفيف بالبرلمان.. ورأينا صور الأمر بالمعروف وهلع الناس بالشوارع، واتضح أنها من فيلم لخالد يوسف، والكثيرون تداولوها وروّجوها وكأنها حقيقة»ـ

طبعا كلام رائع وجميل.. لكنها نغمة لم نعتدها لدى المثقفين الليبراليين من قبل

صديقى العزيز محمد فتحى يقول: «لن أحدثك عن جدوى الاعتصام عند وزارة الدفاع الآن، وما إذا كان مطلبه الأول بحل لجنة الانتخابات الرئاسية وإلغاء قراراتها عادلا أم مطلبا فئويا يرفعه بعض أنصار المستبعدين. لكن سأحدثك عن الثورة التى تحولت إلى شهوة عند البعض. شهوة حقيقية. شهوة تأخذك إلى ما تريد دون أن تفكر كيف ستفعله أو تدرك أن دماء جديدة قد تراق بسبب هذه الشهوة. ها نحن أمام طرفين احترفا السقوط فى نفس الفخ ونفس دائرة الفعل ورد الفعل، والنتيجة شهداء جدد. هل حاسبتم قاتلى الشهداء القدامى أصلا؟ لا.. طيب لماذا نسمح بسقوط شهداء جدد، نخرج لنبكى عليهم ونهتف «يا نجيب حقهم يا نموت زيهم»، بينما الحقيقة أن الشق الثانى فقط هو ما يحدث؟»ـ

سبحان الله يا محمد.. نفس ما قلته أنا لك فى مقال قديم اسمه (عزيزى محمد فتحى)، وكان ردك يتلخص فى (يا نجيب حقهم يا نموت زيهم). (الثورة التى تحولت إلى شهوة عند البعض).. من الذى قال هذا منذ شهور وشتموه فى كل مكان على النت؟

أما العزيز إبراهيم عيسى فيقول: «لا أحد منا مستعد أو مؤهل هذه الأيام فى ما يبدو كى يتحقق ويتأكد من سلامة رأيه ومن صحة موقفه! مصر كلها الآن تقطع الطريق. سنوات طويلة من القهر والقمع التى جعلت كل واحد فينا مش مستحمل الآن أى كلمة عن الانضباط والاحترام والتعقل، فكل هذه المعانى بالنسبة إليه تخاذل وتهادن وفلولية! والثورة لدى كثير منا تدهور معناها وتقزَّم هدفها وتشوَّه التعبير عنها، وصارت تعنى قلة الأدب والانفلات وحق التجريح والطعن، وهتك السمعة وإلقاء التُّهم بنفس خفة النقر على الكيبورد»ـ

فى جمعة الجنون يحب المرء أن يعتقد أنه كان يقول هذا منذ أشهر، لكن المناخ لم يكن يقبله بتاتا، وكان علينا أن ننتظر حتى تنقلب الأدوار ويصير أولاد أبى إسماعيل هم من يحاصرون منشآت الدولة. الخلاصة: يا جدعان يجب أن نصمد حتى نسترجع الأمن ويصير لنا رئيس جمهورية منتخب، ثم نبدأ الخروج من المأزق الدستورى ومشكلة مجلس الشعب ومئات المشكلات الملتفة التى خلقها المجلس العسكرى وخلقها بعضنا.. لكن لو هدمنا ما تم فسوف نظل فى هذه الدائرة للأبد إلى أن نصير الصومال

فى جمعة الجنون يشعر المرء بالزهد فى الكلام، ويشعر أن هذا شعب قرر أن ينتحر بأى طريقة، ثم يزعم أن الطرف الثالث هو من دفعه من فوق الكوبرى. فى جمعة الجنون يدرك المرء أن (مبارك) سعيد الحظ جدا جدا