شكرا لك أيها الشهيد الذى سالت دماؤه الطاهرة لتبلل أسفلت الميدان، بينما الطلقات تنهمر من حوله.. لم نفقد قطرة من دمك هباء، لأنك غيرت تاريخ هذا البلد للأبد. فليأت من يأتى رئيسا للجمهورية بشرط أن يرحل بعد أربعة أعوام إن لم يكن أداؤه مرضيا.. هذا فى حد ذاته يقول إن مصر ستنهض وتنفض عنها النعاس وخيوط العناكب، وإن الثورة مستمرة وناجحة وإن دمك لم يضع هدرا. شكرا لك.. فلم أر فى حياتى دما أثمن من هذا ولا أعظم تأثيرا
فقط أتمنى أن نكف عن نغمة (انتخابات مذهلة) و(العالم منبهر) و(العالم مش مصدق).. إلخ. نغمة الاحتفال الدائم بالذات هذه سيئة السمعة، وقد أوردتنا موارد التهلكة مرارا.. اذكر لى أى انتخابات مصرية لم ينبهر العالم بنزاهتها طيلة الخمسين سنة الماضية.. إذن لنكن متحفظين ولندار على شمعتنا
أما عن النتيجة نفسها، فقد انتخبت حمدين صباحى وتمنيت كثيرا، وإن كنت أتوقع هذه النتيجة على كل حال، وكما قلت من قبل فإن حياة الإعلاميين والمثقفين فى وسط البلد وساقية الصاوى وكافيه ريش ومقهى منه فيه وأتيليه القاهرة.. إلخ، حيث عالمهم هو الندوة الفلانية هنا، والمبادرة الرابعة لتحالف شباب كذا، والمؤتمر العاشر لحركة كذا.. كل هذا يعطيهم صورة خادعة نوعا. بينما أنا ريفى قريب جدا من الكفور والنجوع، وأعرف جيدا القوة الكاسحة للإخوان المسلمين هناك، مع الحماسة المتزايدة لشفيق الذى صور نفسه باعتباره الرجل الذى سيعيد الأمن.. هناك ممرضة معى فى المستشفى أكدت لى أن كفرة العجيزى -وهى كثافة سكانية مخيفة فى طنطا- أعطت أصواتها لشفيق بالكامل. الفكرة أنه بدا لهم رجلا قويا قادرا على استعادة الأمن.. وبالتأكيد كان نفس الشىء سيحدث مع عمر سليمان لو دخل الانتخابات. هذه كتلة عملاقة وهى القادرة على تغيير نتائج الانتخابات مهما بدت الأمور على «فيسبوك» و«تويتر»، ومهما ضغط الشباب على
like
أو لم يضغطوا
like
أو لم يضغطوا
السلسلة البشرية المرعبة التى حملت لافتات مرسى يوم الخميس 17 مايو، قالت بوضوح إن قدرة الإخوان على الحشد لم تضعف، مهما قيل عن تدنى شعبيتهم لدى رجل الشارع.. وكتبت عن هذا فى المقال السابق. الفكرة أن استعراض القوة هذا صار وسيلة جذب أصوات بدوره… رجل الشارع قد يشتم الإخوان حتى يصل إلى باب اللجنة فيدخل لينتخبهم ثم يخرج من اللجنة وهو مستمر فى الشتيمة. وهو تقريبا نفس سيناريو الانتخابات البرلمانية، حيث قال الكل إن قوة الإخوان وهمية، وإنها مستمدة فقط من كراهية الناس للحزب الوطنى.. وحتى فى أثناء الانتخابات كانوا يكتبون فى كل مرة إن القوى الليبرالية تعلمت من أخطائها وسوف تكتسح فى الجولة القادمة.. النتيجة هى ما رأيناه
باختصار، استطاع الإخوان وشفيق الوصول للكتلة الصامتة العملاقة فى الريف والعشوائيات، بينما عجز الباقون عن هذا.. قد تتكلم عن الزيت والسمن وأنابيب البوتاجاز وتزوير إرادة الناخبين وقد لا تتكلم.. لكن النتيجة هى أننا صرنا فى هذا الوضع
الإخوان ظهروا بمظهر من يملك الحل السحرى لمشكلات الجماهير، وشفيق ظهر بمظهر الرجل القوى القادر على إعادة الأمن.. وكالعادة تتأكد حقيقة أن الناس تريد الاطمئنان على أولادها عندما يذهبون للمدرسة، وتريد أن يعود اللحم للظهور على موائد طعامها.. فقط. لا تعنيها التعقيدات السياسية الأخرى
لو كان هناك جانب مشرق لهذا فهو أن فرصة حمدين صباحى كانت عالية.. كنت أعتقد أن فرص مرشح ناصرى الميول للرئاسة معدومة، لكن الحقيقة أن الرجل اقترب جدا… وهذا يعطى أملا فى الانتخابات القادمة لو عشنا وتمت
هناك من لا يقبلون النتيجة ويتحدثون عن ثورة ثانية.. بصراحة لو كان عندك دليل على تزوير هذه الانتخابات فلتقدمه، وإلا فلتقبل النتيجة كرجل.. تتكلم عن احترام رأى الشعب فإذا جاء الخيار عكس ما تريد طالبت بهدم اللعبة كلها.. هذه طفولة لا شك فيها.. إما أن تقبل الديمقراطية وتقبل ما تأتى به، وإما أن تقول إن الشعب غير ناضج وخياراته كارثية، وهكذا تعترف بما قاله أحمد نظيف قديما
السؤال المقلق الآن هو: من نختار فى الإعادة؟.. فى كل لحظة يسأل الناس عمن يختارون.. أتكلم بالطبع عن الذين لم يختاروا مرسى أو شفيق من البداية. هذا سؤال صعب جدا.. كثيرون من المثقفين انحازوا للإخوان لأنهم ليسوا (شفيق).. وهذا مفهوم.. لكن الأمر لا يخلو من غرابة. منذ أسبوع كنت تشن حربا عنيفة على الإخوان واليوم تدعو لانتخابهم بحماس
بالنسبة إلىّ أحترم أى اختيار فيه تداول سلطة، لكن عن نفسى أرى أن اختيار شفيق معناه أننا نعود ليوم 24 يناير 2011، ويكون المكسب الوحيد للثورة هو أنها علمت الحكام أنه ليس بوسعهم التمادى وأن الشعب ليس قطيع أبقار. اختيار مرسى يعنى أننى لم أختر مرسى لكن اخترت الجماعة كلها.. وأنا أعتقد أن أى سلطة ذات طابع دينى قادرة على البقاء للأبد، لأنها تمسك بسلاح ماض. لا أعنى بهذا بقاء مرسى بالذات لكن أتحدث عن كوادر الجماعة التى ستكون فى كل مكان وكل هيئة وكل مجلس محلى. أتحدث عن مرشح الجماعة التالى بعد 4 سنوات
إذن من يختار المرء؟
تذكرت قصة الأديب الأمريكى فرانك ستوكتون المسماة (الفتاة أم النمر؟). بطل القصة يجد نفسه مرغما على الاختيار بين بابين مغلقين.. أحد البابين خلفه أميرة حسناء والآخر خلفه نمر مفترس.. المشكلة أن لديه تلميحا بالباب الذى خلفه الأميرة لكنه يخشى أن يكون هذا فخا.. هكذا تنتهى القصة وهو واقف لا يجد إجابة.. الفتاة أم النمر؟.. الفتاة أم النمر؟
الاحتمال المريع فى حالتنا هذه أن يكون وراء كل باب نمر.. إن المرء بحاجة إلى وقت يفكر فيه فى حل واقعى.. حل يختلف طبعا عن مطالبة مرسى بالانسحاب لصالح حمدين صباحى كما طالب الحمزاوى، وهو حل وهمى أقرب للمزاح طبعا، ولا أدرى لماذا لم يطلب هذا من شفيق
وللحديث بقية