طلبوا منا أن نلتزم الصمت الانتخابى اعتبارًا من يوم الإثنين 21 مايو، ولهذا أكتب هذا المقال بسرعة على أن يُنشر يوم الأحد. هذا ليس مقالاً بالضبط بل هو مجموعة خواطر حول الانتخابات. الانتخابات التى لو تمت على خير فمعنى هذا أننا وضعنا قدمنا على بداية الطريق الصحيح فعلاً.. عندما رأيت الملصقات فى كل مكان، وعندما رأيت المناظرة الشهيرة، قلت لنفسى إن شهداء يناير لقوا ربهم من أجل هذه اللحظة بالذات. ومهما كانت خياراتك فأى رئيس يسمح لك بانتخاب غيره بعد 4 سنوات هو خطوة نحو العالم الأول.
1- قارئ ظريف على النت «يطلق على نفسه أدهم» يعطيك هذه الوصفة الذكية للانتخابات: «لو انت مش بتحب الثورة وبتكرهها وبتحب نظام مبارك يرجع، انتخب شفيق. لو انت ولا بتحب الثورة ولا التيار الإسلامى، ولا بتحب نظام مبارك.. انتخب موسى. لو انت إخوانجى أو سلفى انتخب مرسى. لو انت مش إخوانجى بس بتحب الإخوان من بعيد وبتحب الثورة نص نص انتخب أبو الفتوح. لو انت بتحب عبد الناصر وعهد عبد الناصر والسادات والستينيات والسبعينيات والجو ده انتخب صباحى. لو انت مش ده ولا ده الأحسن اقعد فى بيتك واصحا متأخّر وافطر كويس وطنّش، وعيش يومك عادى خالص يوم الانتخابات». لك تحياتى يا أدهم.
2- توفيق عكاشة متحمس لأحمد شفيق جدًّا. السؤال هنا هو: هل يعرف أحمد شفيق عدد عيدان الجرجير فى الربطة، والفترة اللازمة لتزغيط الإوز؟ هل يعرف ثمن بَرْك البقرة فى السوق؟ واضح أنه يعرف وإلا لما تحمس له عكاشة إلى هذا الحد.
3- كنت أنتظر البرادعى فى شغف، فلما خرج من السباق مبكرًا قررت أن خيارى لن يخرج عن أبى الفتوح أو حمدين صباحى. وكأشخاص كثيرين بدأت بعد المناظرة أميل إلى حمدين أكثر، دعك من أننى ناصرى الميول بلا شك. هنا سمعت مرارًا العبارة الشهيرة: حمدين رائع لكنه سيخسر ولن أضيع صوتى. نفس ما كان يقال عن البرادعى فى ما سبق. إنها طريقة المتاهات اللفظية الكريتانية مثل «أهل كريت كذابون.. أنا من كريت.. إذن أنا كذاب.. إذن أهل كريت ليسوا كذابين.. إلخ». أى أن حمدين سيخسر لأنه سيخسر. ثم بدأ الناس يفطنون لحقيقة أنهم جميعًا يرددون هذه العبارة، وأن فرصة الرجل لا بأس بها فعلاً. قلت لنفسى إننى مقتنع به. إذن فرأيى شهادة حق يجب أن أدلى بها وليكن ما يكون.
4- معظم البرامج بدا غير واقعى.. أى أن المرشح يكتب اسم المشكلة التى تواجهها مصر ثم يكتب قبلها «محاربة» أو «القضاء على». مثلاً هل الأمية مشكلة؟ اكتب «القضاء على الأمية». لو كانت هناك مشكلة اسمها «شقوق الأبواب التى تسمح بدخول الصراصير» فلسوف يصير برنامجه هو «محاربة شقوق الأبواب التى تسمح بدخول الصراصير». لا يوجد جدول زمنى أو حساب تكاليف. لكنى رأيت من حمدين ما هو أكثر من البرنامج.. رأيت عمرًا طويلاً من المواقف والمواجهات والانحياز للفقراء والاعتقال والقيادة، وأعرف جيدًا أنه سيحاول تنفيذ وعوده لأنه صادق. هل هو جامح؟ هو كذلك واقعى، ولسوف يفهم بسرعة حجم قدراته، خصوصا فى غياب جدار ثانٍ مثل الاتحاد السوفييتى، كان القوميون يستندون إليه وهم يواجهون الولايات المتحدة.
5- العزيز بلال فضل هاجم حمدين صباحى بقسوة فى تويتاته. أختلف معه كثيرًا لكنى أعرف يقينًا أن هذا من حقه، إلى أن قرأت الهجوم العاتى عليه فى النت واتهامه -اتهام بلال- بأنه يتقاضى أموالاً من مرشحين آخرين. هكذا الأمر.. يظل بلال فضل معارضًا شريفًا باسلاً إلى أن يقول رأيًا يختلف عن رأيك، فيتحول فى لحظة إلى بائع قلم وبائع مبادئ. أعتقد أن من يفترض فى الآخرين أنهم يبيعون أنفسهم إنما يخبرك بشىء عن نفسه فى الحقيقة. ومعنى هذا أن التهمة تلاحقنى بتقاضى أموال من حمدين صباحى إذن! هل من المستحيل أن يكون للمرء رأى لأن دماغه كده؟
6- أما عن التهمة التى وجهها بلال إلى حمدين، فهى صالحة لعدد هائل من المعارضين السياسيين. كل القوميين والناصريين واليساريين تَبنّوا نفس الموقف يومًا، وكانوا ضد الطرف الغربى تلقائيا فى أى صراع عرفناه. كلهم أيّد صدام حسين والقذافى فى وقت ما، لأن بوصلتهم تتحرك دائمًا فى الاتجاه المعاكس للولايات المتحدة، حتى لو كان الطرف العربى مخطئًا. هذا موقف سياسى معلن وواضح. أما عن موضوع تلقى أموال فهذا تهمة مطاطة يمكن أن تصيب الجميع فى غياب الوثائق.. أرجو قراءة الفقرة السابقة.
7- من ضمن المرشحين المحترمين فعلاً نجد الهرم أبو العز الحريرى ابن كرموز. أجد فى نفسى ميلاً أكبر إلى حمدين، دعك من المجازفة بتفتيت الأصوات بين مرشحى اليسار. لكن للحريرى تاريخًا طويلاً (45 عامًا) من النضال والشغب ومكافحة الفساد منذ كان عاملاً بسيطًا. وهو من ضمن النواب الذين حل السادات البرلمان بسببهم عام 1976 لأنهم شوكة مزعجة له. تفكيره منظم وخبرته كبيرة بلا شك، لكن الزمن ليس فى صالحه بالتأكيد.
8- كنت مسافرًا إلى القاهرة عصر الخميس.. فوجئت بسلسلة بشرية من الرجال والنساء تحمل لافتات مرشح الإخوان محمد مرسى… بلا مبالغة كان هناك من يقف بلافتة كل خمسة أمتار، والمذهل أن السلسلة تمتد من طنطا إلى القاهرة، ثم على طول الطريق الدائرى وحتى الجيزة (ساعة أخرى).. وقيل لى إن السلسلة تبدأ من الإسكندرية! كم تَكلّف هذا المشهد من وسائل نقل ولافتات وتغذية للواقفين؟ قدرة الإخوان على الحشد مذهلة، ويجب أن يضع من ينافسهم هذا فى حسابه، دعك من أن فى المشهد قدرًا لا شك فيه من استعراض القوة.
9- ملاحظة أخرى تتعلق بالإعلام. منذ أسبوع فقط كان معظم الصحف يتكلم عن أحداث العباسية ومذبحة العباسية، وكانت نغمة اللوعة الثكلى فى المقالات تقول بوضوح إنهم سيكتبون عن هذه القضية حتى الموت ولن يفعلوا شيئًا آخر. فجأة نسى الكل الأحداث وراحوا يتكلمون عن الانتخابات ومن يسحق من، ومن يخدع من. لقد نسوا هؤلاء الشباب الذين ألهبوا أرواحهم، فجعلوهم يذهبون ليُلقوا بأنفسهم وسط النيران. كنت أمر فى طفولتى قرب باب خروج الموتى لمشرحة مستشفى المنشاوى بطنطا، فكنت أرى الندابات جالسات يلطمن ويصرخن، وبعد دقائق ينسين الأمر ويتكلمن فى موضوع آخر ثم يتذكرن ويولولن من جديد. قد نتفق أو نختلف حول أحداث العباسية، لكن الثبات على المواقف مهم جدًّا. بالطبع ألوم وأتهم من أطلق النار وأطالب بمحاكمته، لكنى كذلك ألوم من يدفع هذا الشاب ليلقى بنفسه على فوهة البندقية، ثم ينسى الأمر ويبدأ فى حديث الانتخابات.
10- لا أعتقد أن الوقت يكفى لفقرة عاشرة… فلنرَ ما سيحدث هذا الأسبوع إن شاء الله.