قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Wednesday, May 8, 2013

أربعة مواضيع



ـ1ـ برغم الاختلاف: كنت أطالع مجموعة من مقالات إبراهيم عيسى مؤخرًا، عندما خطر لى أننى أختلف معه كثيرًا لكنى أحترمه فعلاً. سوف أذكر دائمًا أنه فى الوقت الذى ابتلع الجميع فيه ألسنتهم حذرًا، فإن إبراهيم عيسى وعلاء الأسوانى وعبد الحميد قنديل وبلال فضل وعمرو سليم.. و..و.. تجاسروا على انتقاد مبارك بشراسة فى ذروة سطوته وبطشه. تكلموا عن التوريث وأكدوا أنهم لن يقبلوه. بلال فضل مثلاً هاجم مبارك وألهبه بسخريته لفترة طويلة جدًا، حتى أننى توقعت أنه سيلقى عقابه على طريقة عقاب قنديل أو ما هو أسوأ. كل هؤلاء تكلموا بلا خوف عندما كان للكلام ثمن باهظ، ولهذا أرى أن من حقهم أن يتكلموا كما يريدون اليوم ومهما اختلفت معهم. إنهم قدموا الدليل القوى على شجاعتهم

ما يضايقنى فعلاً هو حالة الشجاعة الزائفة التى ظهرت على الجميع خاصة من كانوا صامتين فى عصر مبارك. الكل صار ساخرًا وجريئًا جدًا. هناك من كان صامتًا تمامًا وهناك من كان منافقًا بالثلث، وهناك من تزعم مدرسة (طباخ الرئيس) مثل صحفى شهير عالى الصوت يرأس تحرير مجلة أسبوعية، وكانت طريقته فى النقد دومًا هي: «الحكومة فاشلة تتسبب فى تعطيل قرارات الرئيس مبارك وحكمته». وكانت هذه الطريقة تقنع رجل الشارع البسيط أن هذا رجل شريف شجاع لا يخشى فى الحق لومة لائم. اليوم هو معارض جريء يطالب الجيش بالاستيلاء على السلطة وسحق الإخوان. وهذا يقودنا للنقطة الثانية

ـ2ـ هذه مقاطع من مقال قديم لى نشر فى جريدة الدستور قبل اغتيالها، وكان هذا أيام مبارك. هذا المقال يتحدث عن القمح وعن نورمان بورلوج أبى الثورة الخضراء الذى استطاع أن يطور سلالات جديدة من القمح عالى الإنتاجية مقاوم للأمراض. يقول المقال: "ما تزال مصر هى أكبر مشتر للقمح فى العالم، وتعتمد على منطقة البحر الأسود لتدبير 63% من قمحها، وتسعى لاستيراد ستة ملايين طن. يقول وزير التجارة المصرى رشيد محمد رشيد إن مخزون مصر من القمح يكفى لأربعة أشهر. دائمًا مشكلة القمح ومنذ كنت فى المدرسة الابتدائية.. خطر القمح.. خطر القمح... سلاح الضغط الدائم على مصر والبعبع الذى يخبئونه لوقت الحاجة. الأزمة الراهنة رفعت بقوة فاتورة استيراد القمح. تقول الإيكونوميست فى مقالها الرهيب: « إذا وافقنا على التفسير القدرى للأزمات، يجب أن يحظى النظام المصرى بالكثير من سوء الطالع ليمكنه الجمع بين أزمات القمح واشتعال أسعار السلع الأساسية وتهديد مياه النيل وتفشى التهاب الكبد وانقطاع التيار الكهربائى وأزمة المرور وحوادث القطارات إلى آخر مسلسل الأزمات التى أصبح من الصعب إحصاؤها». يصعب القول إن أزمات القمح عارضة بل هى قديمة وتعرفها الحكومات المصرية جيدًا. الحكومة تعد بأن الرغيف المدعم لن يرتفع سعره وستتحمل هى الفارق.. ومن أين ستتحمله؟.. من أموال المعاشات أم عن طريق ضرائب جديدة؟.. سياسة (من دقنه وافتله) هذه لم تعد تناسب العصر ولا أى عصر.. الجزار الذى يقطع أصابعه ليكمل الميزان.... لقد فهم المصرى العادى الحقيقة منذ زمن بعيد. فهم أن من مهام الحكومة الأساسية ألا تصير مصر بلدًا مكتفيًا فى زراعة القمح أبدًا. أى أن اعتمادنا على الغرب فى الحصول على رغيف الخبز هدف استراتيجى لكل الحكومات المتعاقبة. ولعل هذه أنجح وأكفأ مهمة قامت بها الحكومات فى تاريخها.. لا تصطادوا أبدًا بل اشتروا السمك الذى تريدونه..."ـ

لماذا تذكرت هذا المقال؟.. لأن مصر توشك على الاكتفاء بما تزرعه من قمح لأول مرة فى تاريخها، لكن الفضائيات لا تذكر هذا أبدًا ولا أحد يكتب عنه. وهذا يقودنا إلى النقطة الثالثة

ـ3ـ المعارضة ضرورية جدًا: ونظام الحكم الحالى مليء بالعيوب. لكن العدل هو أن ترى المزايا كما ترى العيوب، وتمتدح المحاسن وتنتقد المثالب. لا أفهم طريقة التعامل مع الأطراف كـ
package
هذه. لكن بعض أطراف المعارضة تلبس نظارة سوداء لا ترى سوى السواد.. عندهم بقعة عمياء لا شك فيها. مثلاً من الجلى أن الحكومة عجزت عن حل مشكلة الأمن ومشكلة السولار ومشكلة انخفاض سعر الجنيه، وقراراتها متخبطة وقبضتها على البلاد واهية، لكن لا تنكر كذلك أن انقطاع الكهرباء صار نادرًا، وأن هناك تقدمًا فى مجال إنتاج القمح كما سبق، وأننا أنتجنا التابلت المصرى وأن هناك استثمارات لا شك فيها فى منطقة القناة.. يرد المعارضون بأن زراعة القمح تستهلك مياه النيل وتكلفنا أكثر من استيراده، وأن التابلت لا قيمة له لأن مكوناته غير مصرية وصناعته رديئة أكيد، حتى صارت قضية الساعة هى وقف زراعة القمح فى مصر، والخلاصة هي: لا تحاولوا ولا تبدءوا أبدًا فالنجاح مستحيل.. يقول الكاتب الشريف وائل قنديل: "ومن معايير الوطنية الجديدة الفاسدة أن تكون عنصرا نشطًا فى «مشتمة» مفتوحة على مدى 24 ساعة يوميا، أما الثورى النموذجى بالمعايير ذاتها فهو من يشتم رئيس الجمهورية قبل الأكل وبعده بفاحش العبارات، ويتهم كل من يؤيد الحوار بالكلمات وليس اللكمات بـ «التأخون» و«الأخونة»، ويعتبر كل المعترضين على المحرقة السياسية والأخلاقية المنصوبة قطيعًا من «الخرفان».. ويحرض الجيش على الانقلاب، وإذا رفضت المؤسسة العسكرية هذه الدعوات المجنونة لإشعال الجحيم فإنها تصبح فى دائرة الاتهام، وتأخذ نصيبها من السخائم والشتائم........... طبيعى والأمر على هذا النحو المخجل أن تقرأ تعليقا فى صحيفة ثورية (بمعايير الثورية المستحدثة) يقول فيه نصًا: «نفسى إسرائيل تقوم تدك غزة بالصواريخ علشان يكونوا عبرة عاللى عملوه فى مصر بمعاونة الخرفان»". بحثت فى النت فلم أجد هذا التعليق وإنما وجدت الكلام عنه، لكن لو كان صحيحًا فهذا مخيف... بصراحة الموضوع دخل فى دائرة القلق على عقلية هذه الأطراف.. وقد رأينا من القضاء من يطالب أمريكا بالتدخل، ومن يدعو الجيش لانقلاب عسكرى (متى نسوا يسقط يسقط حكم العسكر؟)، ومن يطالب بإقالة وزير التموين لأنه ناجح، كما رأينا قطر وغزة تتحولان لعدوين لدودين... ماذا يحدث بالضبط؟.. وإلى أى درجة بلغت الكراهية؟ ومن الذى يدمر مصر حقًا؟

ـ4ـ اعتذار ضروري: يجب أن أقدمه للإخوة الصوماليين، وللكاتبة الصومالية الشابة (سعدية عبد الله) التى كتبت مقالاً ترد فيه على فقرة ذكرتها فى مقالى السابق أقول فيها: « أذكر أيام مأساة البوسنة والهيرسك أن شاعت مقولة (استر أختًا مسلمة من البوسنة)... فما أسهل هذه التضحية إذ تتزوج حورية أوروبية بارعة الحسن وتأخذ ثوابًا، وقد تحمس كثيرون لهذه الدعوة، فلما قلنا لهم: (استروا أختًا صومالية) فر الجميع بجلدهم !». أحفظتها هذه العبارة وردّت عليها بمقال بليغ، مهذب لكنه حازم، وكنت أتمنى أن أنشره لكنه سيأخذ كل المساحة الأسبوعية الوحيدة التى أتكلم فيها، ومن ضمن ما قالته: "ما الذى يعرفه العرب عن الصوماليات لكى يتخذوهن مثلاً للقبح أو فى أفضل الأحوال لانعدام الجمال؟، لاشيء على الأرجح.. وهو تحديداً السبب الوحيد الذى جعل فكرة التشبيه منتشرة بكثرة فحين لا تعرف الشيء تُعمل خيالك فى رسم صورة له تتناسب مع مقاييسك الخاصة البعيدة عن الواقع..... الصومال التى لا تعرفونها ياسادة تنتظر أن تتعرفوا عليها بصدق". مع المقال نشرت صورة لها تخبرنا باختصار أنها جميلة جدًا جدًا

أنا مدين بالاعتذار للكاتبة الباسلة ولكل الصوماليات الجميلات، فهى تعرف أننى كنت أتحدث أساسًا عن المعايير المزدوجة لدى الناس وليس عن قبح الصوماليات غير الصحيح أصلاً، وخاننى التعبير لا أكثر. هى نفسها قالت إننى أسأت لهن عن دون قصد، ثم أنها - كما هو واضح - لم تقرأ سلسلة سافارى التى أكتبها للشباب منذ عشر سنوات ونيف، بنيت فيها صرحًا للجمال الأفريقى الأسمر، ولم أكف عن تكرار فكرة (الأسمر جميل).. قرائى يعرفون هذا، وقد سألنى كثيرون عن سبب امتداحى الدائم للسمرة إلى درجة العنصرية المضادة أحيانًا. هكذا يمكن القول إن تهمة الثرثرة قد وجهت لشخص أخرس، أو تهمة التلصص قد وجهت لشخص كفيف، وبرغم هذا أعتذر بشدة، وأنتظر مقالها التالى الذى تقبل فيه هذا الاعتذار