قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Thursday, September 17, 2015

طلع إيدك من جيبك يا دكتور


عندما قرأت قصة محافظ الجيزة الحازم الذي أمر طبيب وحدة كرداسة بأن يخرج يده من جيبه، تذكرت على الفور قصة وفيلم فيديو أرسلهما لي أيام مبارك د. أحمد حسين عبد السلام من نقابة الأطباء. رأيت الفيلم  فرأيت مجموعة من الأشخاص الوقورين يجلسون متجاورين في ممشى علي السلم بانتظار شيء ما، كأنهم متهمون ينتظرون أن يدخلوا لرئيس المباحث، ويقرأ أحدهم الصحف لتزجية الوقت. قال لي د. أحمد في خطابه: "ذهبت يوم الخميس 20/5 الساعة الثانية ظهرا إلي الوزارة لزيارة بعض الأطباء المعاقبين ومعرفة تفاصيل مشكلتهم، وبعد معاناة في البحث عن مكانهم وجدتهم في مكان وكأنه اختير خصيصًا (كغرفة فئران) لعقاب من يريد المسئولون التنكيل به، وعرفت الآتي: قامت لجنة مكلفة من السيد اللواء محافظ أسيوط بالمرور علي مستشفي منفلوط المركزي الساعة الثالثة فجرًا وتم إثبات غياب هؤلاء الخمسة الإخصائيين. فقامت مديرية الشئون الصحية بأسيوط بالتحقيق مع الأطباء وتوقيع عقوبة 10 أيام جزاء علي كل منهم. بعد مرور أيام قامت وزارة الصحة باستدعائهم للتحقيق معهم وأمرت بحضورهم إلي ديوان الوزارة من يوم السبت 15 مايو (رغم أنه عطلة بالوزارة). منذ هذا التاريخ وهم يحضرون إلي ديوان الوزارة يوميًا من الساعة 9 صباحا حتي الخامسة مساء، ومكان انتظامهم طرقة ضيقة في مكان تصل إليه بصعوبة، وبجوار الأطباء مخلفات وزبالة من استعمال الموظفين. جلست معهم بعض الوقت وقمت بتصوير هذا الواقع وتصادف مرور موظفة قامت بإبلاغ د. سمير النمكي الذي قام بدوره بإرسال الأمن ظنا منه أنني صحفي، فأخبرتهم بأني سوف أحضر لهم طعامًا وشرابًا حيث إنهم ممنوعون من الخروج فقالوا هاته واحنا نوصله لهم، وبالفعل حدث ذلك. لست ضد التحقيق معهم لتقصيرهم رغم أنه تم جزاؤهم فعلاً ولا يجوز التحقيق في واقعة مرتين، ولكني ضد هذه الطريقة غير الآدمية فلو مررت عليهم دون أن تعرف لظننتها تهمة أخلاقية". انتهى الخطاب.

لاحظ طريقة التعامل معهم.. ممنوعون من الخروج. ثم سمح الأمن للطبيب كاتب الرسالة بأن يحضر لهم العيش والحلاوة وربما علب سجاير (البالامونت) كذلك، وكيف تعامل الأمن معه عندما حسبوه صحفيًا باعتبار الصحافة جريمة نكراء..

آلمني جدًا وقتها أن تكون هذه معاملة طبيب ينال بالتأكيد قسطًا لا بأس به من الاحترام في مجتمعه وشارعه وبين جيرانه، لقد أخطأوا وعوقبوا .. فلماذا التشهير إذن؟ ولم أندهش عندما علمت أن هؤلاء الأطباء أعدوا استقالة جماعية مسببة بسبب هذه المعاملة.

اليوم يمر المحافظ الحازم فيشخط في الطبيب ويأمره بأن يخرج يده من جيبه.

إنهم شباب الأطباء .. الجدار المائل المعتاد الذي يلصقون به كل التهم.  قضايا الفساد تنهمر كالمطر حتى أن الصحافة لا تجد الوقت الكافي للتغطية.. لكن شباب الأطباء هم الحل الجاهز لإخراج ساديتك وإظهار حزمك... جرب يا سعادة المحافظ أن تجلس بالمعطف في عز Hغسطس في غرفة ضيقة فيها خمسون واحدًا يشخطون فيك، ولا توجد مروحة واحدة وراتبك أقل بالتأكيد من راتب سائق المحافظ... ثم تكلم وقتها عن التهذيب الذي يجعل الطبيب يقف (انتباه) ويضرب لك تعظيم سلام.

30 مليون مصرى مريض بالاكتئاب، منهم مليون ونصف المليون مرضى بالاكتئاب الجسيم، من بينهم 15% يلجأون إلى الانتحار . هذه أرقام د أحمد عكاشة عام 2009 ولا أشك أنها تضاعفت، بس طلع إيدك من جيبك يا دكتور. مصر تحتل المركز 57 في مؤشر بلومبيرج للبؤس العالمي ولدينا 50 مليون فقير و1109 منطقة عشوائية. ماذا عن أكوام الزبالة في شارعك وعند كل ناصية؟ لدرجة أن الناس صارت تبني كشكا عند ناصية كل شارع لبلطجي يبيع منه السجائر، مقابل أن يحمي الناصية التي يقف عندها من الزبالة.. بس طلع إيدك من جيبك يا دكتور. كل المشاكل ستحل لو كففت عن قلة الأدب وطلعت إيدك.

كل واحد يفر من مكان عمله ولا ينتظم فيه إلا ليسرق.. قضايا الرشوة بالملايين والمرتشون ينالون أعلى المناصب، وأنت تقرأ الصحف وتسمع عن وزارات كاملة تستقيل...  45% من المصريين يعيشون تحت خط الفقر بأقل من دولار فى اليوم . طوابير البنزين عادت ولا توجد قطرة بنزين 80 في طنطا.. بس طلع إيدك من جيبك يا دكتور.

مليون ونصف المليون يعيشون فى المقابر ولدينا 88 ألفاً و779 قتيلاً و 379 ألفاً و233 مصاباً بسبب حوادث الطرق فى الفترة من 1990 إلى 2006، وهو ما يمنح مصر المركز الأول على مستوى العالم.

ولدينا 7394 حادثاً بقطاع السكة الحديد فى الفترة من 2000 إلى 2006 أسفرت عن مصرع 573 شخصاً وإصابة 805 آخرين، كما أن لدينا 4 مليارات جنيه خسائر سنوية بسبب حوادث الطرق حسب كلام مركز المعلومات ودعم القرار.

مصر رقم 112 من 187 دولة بمؤشر التنمية البشرية الذي يقارن متوسطات العمر والتعليم والرعاية الاجتماعية.. وهذا يجعل دولاً مثل المكسيك وجامايكا والبرازيل متقدمة عنا بكثير. حسب مؤشرات انتشار الفساد بين مسئولي الدولة، كانت مصر تحتل المركز 115 بين 134 دولة لكنها اليوم تحتل مركز 94 وهذا أفضل طبعًا. بس طلع إيدك من جيبك يا دكتور.

كلنا يعرف أن مصر أعلى دولة في العالم في فيروس سي لكن يمكن تجاهل هذه النقطة لأننا أهدينا العالم جهاز الكفتة وحللنا المشكلة... هناك 100 ألف مصري يموتون سنويا بسبب السرطان الناجم عن التلوث.. وماذا عن الفشل الكلوي ؟

طلع إيدك يا دكتور .. معدل مصادرة الصحف عال فعلاً.. والمذيعون يتكلمون في الفضائيات عن الماسونية ومجلس إدارة العالم، وعن مؤامرات لتدمير مصر بالزلازل والحشرات والأعاصير كأننا نتكلم عن أوبئة مصر القديمة في التوراة.  التثبيت مستمر وسرقة السيارات بالتهديد بالسلاح لم تتوقف.. وأقارب المرضى يبدأون بضرب الأطباء والممرضات قبل أن يقدموا شكواهم. الإسعاف لا يرد أبدًا وكذلك بوليس النجدة.. معجزة أن ترد عليك شرطة النجدة في أي وقت من اليوم. المياه مقطوعة أغلب الوقت ولا أحد يعرف السبب بس طلع إيدك من جيبك يا دكتور. شتائم الأمهات والاتهامات في الشرف تندلع من شاشات الفضائيات دون أن يجرؤ أحد على معاقبة الشاتمين.. بل هم يصفون هؤلاء الشاتمين بأنهم وطنيون!! والنتيجة أن تحول المجتمع لمستنقع بذاءة.. الكل يشتم.. بس طلع إيدك من جيبك يا دكتور...

يقول أحد المعلقين الساخرين على النت: "ربما أتفهم غضبك سيدي المحافظ لو كان الطبيب وضع يديه فى جيبك أنت.. محاولا سرقة قطعة أرض فى الشيخ زايد أو كشك من المحافظة فى ميدان الدقى.. أو شقة لإسكان الشباب فى 6 أكتوبر.................... لكنه كان واضعا يديه - هو - فى جيبه هو.. ثانيا.. لقد أصبتنى يا سيدى بخيبة أمل كبيرة فى مسئول كبير مثلك.. من المفترض أن تكون ملاحظاته أهم من ذلك.. ومستوى تعليقاته أكبر من تعليقات مفتش تربية قومية أثناء مروره على مدرسة حكومية. ثالثا..أحب أن أوضح لسيادتك أن يدى الطبيب هذه الأيام ترهقان جدا - ربما أكثر من عقله - من كتابة مئات الروشتات للمرضى الذين يقطعون تذكرة بجنيه ويريدونه أن يملأها بأى أدوية من الصيدلية المجانى.. ومن محاولاته اليومية للدفاع عن نفسه ضد الاعتداءات المتكررة من أقارب المرضى.. فلذلك تجده دائما ما يضعها فى جيب البالطو بحثا عن إراحتها قليلا.."


كلام جميل .. وقد استعد أطباء الجيزة لزيارة المحافظ بأن وضعوا أيديهم في جيوبهم جميعًا كما في الصورة. أرجو ألا يتحول وضع اليد في الجيب إلى فعل أمني ممنوع شبيه بعلامة رابعة، وعندها يجب على الأطباء جميعا أن يقصوا جيوب المعاطف بالموسى تفاديًا للخطأ فالاعتقال أو الاختفاء القسري.  وإلى أن يتم ذلك طلع إيدك من جيبك يا دكتور.