http://lite.almasryalyoum.com/lists/82941/ |
عنوان المقال مكرر لكن المقال جديد، والسبب هو أنه العنوان الأصلح لما يحدث للمستشار هشام جنينة اليوم. عندما سمعت أن لجنة تقصي الحقائق لم تنكر قط وجود فساد، بل أنكرت حجمه، تذكرت على الفور النكتة القديمة عن الرجل الذي قيل له إن زوجتك على علاقة بكهربائي الحي، فضحك وقال: "شوفوا الكدب!.. ده مش كهربائي ولا بيفهم حاجة في الكهربا!". وجدت أن د. عمار على حسن سبقني لاستعمال نفس النكتة في مقاله الرائع المنشور بالمصري اليوم 14 يناير 2016. هذا هو بيت القصيد. لا أحد أنكر التهمة لكنهم أنكروا حجمها.
النقطة الثانية هي الهجوم المفترس على الرجل في وسائل الإعلام. لم يحدث هجوم على الفساد، وإنما تصرفوا بأسلوب (اقتلوا حامل الرسالة kill the messenger) كما يقول الغربيون.
يمكن تلخيص الموضوع في النقاط العشر التالية:
- ليس السؤال هو حجم الفساد، بل السؤال هو: هل يوجد فساد أم لا؟ أي طفل يعرف أن الفساد قد تشعب وانتشر وتخلل جذور الشجرة ذاتها، وهو موجود بدءًا من أصغر موظف وأصغر شرطي مرور "تكرمش" له ورقة بعشرة جنيهات، وحتى قضايا قصور الرئاسة والاستيلاء على أراضي الدولة.
- الأمر يشبه مؤامرة الصمت (أومرتا Omertà) لدى المافيا. الكل صامت والكل راضٍ، لكن أي متحمس أو بطل يخرق هذا الصمت يعاقب بقسوة. تذكرت كذلك ما كان يحدث في لجان الثانوي بالنسبة للمواد غير المهمة، حيث كان يُسمح بالغش والنقل من الكتاب صراحة، لكن الويل كل الويل لمن يعترف أننا نغش!
- ما قام به جنينة لم يكن مجهودًا تطوعيًا، بل هو كُلّف بمهمة محددة من وزير التخطيط قبل اليوم العالمي لمكافحة الفساد في 9 ديسمبر. ولم يتعمد جنينة نشر التقرير قبل 25 يناير كما زعم الزاعمون. هو طُلب منه عمل فنفذه بدقة وأمانة ومهنية. وعلى كل حال هو أعلن أنه سيعلن أدلته بعد 25 يناير، حتى لا يُقال إنه يصطاد في الماء العكر.
- كان تقرير جنينة الذي أُرسل لرئاسة الجمهورية ووزير التخطيط واضحًا في أن هذا حجم الفساد ما بين عامي 2012 و2015. بقدرة قادر تم تجاهل هذه النقطة وتحول الكلام إلى أنه تكلم عن الفساد عام 2015 فقط. ليأتي السؤال الذي افترسوه به: كيف يكون الفساد أكبر من ميزانية الدولة نفسها؟ المطلوب هو أن نقرأ تقرير جنينه كاملاً كما قرانا تقرير لجنة تقصي الحقائق كاملاً. ما هو منطق الرجل؟ لاحظ أنه قاضٍ وليس محاسبًا، لكنه اعتمد على رأي لجنة من الخبراء. الرقابة الإدارية قدرت في عام 2014 حجم نهب الأراضي الزراعية بـ 440 مليارًا، ومن الغريب أن رئيس الرقابة الإدارية عضو في لجنة تقصي الحقائق التي اتهمت جنينة بالكذب!
- إذا افترضنا أن جنينة مخطئ بنسبة 200 % - وهذا وارد برغم عدم شكي في نزاهته ونبله - فإننا نتحدث عن فساد حجمه مئة مليار في العام تقريبًا، وهو رقم مهول يكفي لحل قدر هائل من مشاكل العلاج والتعليم والبطالة. الأمر لا يختلف كثيرًا إذا كان الفساد 600 مليار أو 599 مليار أو حتى 200 مليار. إنه فساد هائل وكفى، يدفع ثمنه ابني وابنك وكل هؤلاء البؤساء الواقفين في طوابير الخبز، أو الذين يتسولون ثمن العلاج ويأكلون جلود الدجاج. مهما نما الاقتصاد فلابد من سد البالوعة التي تبتلع كل موارد الدولة المتمثلة في الفساد.
- جنينه بالذات قد أحلّ دمه منذ زمن، وتلقى وعدًا بالإقالة منذ كان جزءًا من تيار استقلال القضاء، وقد وجدوا الذريعة المناسبة لذبحه اليوم. ربما فقد منصبه أو حوكم (وهذا ما سيحدث غالبًا)، ولكنه قد كسب معركة المواقع الاجتماعية وكسب الشارع. لو سألت عشرة مصريين لقال لك سبعة منهم إنهم يصدقون تقرير جنينة. السابع متفائل والتاسع والعاشر رجلا أعمال أو عضوان قديمان في الحزب الوطني طبعًا. لقد نجح الإعلام المسعور، الكذوب في أن يظهر جنينة كرجل شريف وحيد يواجه فساد دولة وحده، حتى أن الأمر يذكرنا بمعظم روايات جون جريشام. ولدرجة أنني قرأت تعليقات لقراء يطالبون بحماية حياته من الإيذاء الجسدي المتوقع.
- تعليقات اللجان على النت تقول: "لماذا صمت جنينة أمام الفساد وتكلم الآن؟". طريقة خلط الحقائق هذه التي تذكرنا بالطريقة التي ألصقوا بها بالبرادعي تهمة احتلال العراق، برغم أن كلامه موجود وموثق في نفي وجود سلاح نووي هناك. الرجل – جنينة – قدَّم الكثير من التقارير ولم يعبأ بها أحد. وهو ليس جهة تنفيذية ولا يملك أي سلطة.
- الفساد توحش وصارت له أنياب ومستعد لتمزيق وتشويه أي شخص يحاول حرمان الفاسدين من مكاسبهم. والتهمة في كل الأحوال هي الأخونة والطابور الخامس، وهي تهم "حمضانة" لم تعد تُحدِث وقعًا في الأذن من كثرة ما استعملت، لدرجة أنني رأيت ضيفة برنامج تتهم ناشرًا ماركسيًا شهيرًا بأنه إخوانجي لمجرد أنه يطالب بحكم مدني!
- لا شك أن الفساد ليس ماليًا فقط، بل هناك فساد إعلامي وفساد فني وفساد تعليمي وفساد علمي. عندما تعرِض أسوان تمثالاً للعقاد يشبه (أحمد التباع) تمامًا، وعندما ترى تمثالاً لكليوباترا في متحف بأسوان أقبح وأكثر سذاجة من أي موديل في واجهة محل، وعندما يصير أحمد التباع نفسه نجمًا في الفضائيات، فقط لأنه أجرى مكالمة جنسية فاحشة مع هبة، و.. و.. أمثلة لا تنتهي.
- لابد للفاسدين أن يحتفلوا بثورة يناير العظيمة، فقد أحنوا رءوسهم لموجة الانفجار وتواروا إلى أن مرت، ثم عادوا أكثر قوة وتوحشًا وشراسة. بالنسبة لهم ليست ثورة 25 خساير بل هي 25 فوائد. بفضلها وصلوا لمراكز قوة لم يحلموا بها من قبل، ولا يمكن قهرها أو سحقها.