مجلة الشباب
http://internationalidolsagency.com/services |
من الكليبات المألوفة التي أتلقاها في بريدي بشكل شبه دوري، تلك الكليبات التي تظهر مذيعة تقف في الشارع وتوجه أسئلة سهلة لمجموعة من الشباب، فنكتشف أنهم يجيبون إجابات بلهاء فعلاً أو لا يعرفون شيئًا عن أي شيء. هكذا ينفجر الناس في الضحك عما آل له حال التعليم، ويتصعبون على حال الأمة التي سيقودها هؤلاء، ويشعرون بالرضا التام عن أنفسهم والحياة وينامون سعداء.
هذه العادة ليست حديثة .. كتبت في مقال قديم عن برنامج جماهيري رأيته عام 1971 سألت فيه المذيعة أحد الشباب طويلي الشعر عن لون كلب البحر الأزرق الذي ينزل للسباحة في البحر الأحمر.. تساءلت أنا عما إذا كان هناك كلب بحر أزرق أصلاً فشخط فيّ أبي ليتابع. أجاب الشاب أن لون الكلب سيكون بنيًا. هكذا انفجر الناس ضحكًا وظلت الصحف تسخر من ذلك الشاب الرقيع عدة أسابيع، وكتب الأستاذ أحمد رجب عن (الكوتو موتو).
حتى برغم طفولتي كنت أدرك أن الفتى ليس أبله لهذا الحد.. هو شعر بكمين في السؤال فتحسب له أو قرر أن يمزح.. لم يتوقع أن يكون الأمر بهذه السهولة. وعلى كل حال ليس هذا السؤال مقياسًا للثقافة.. يسخر الناس من هذا ثم يتزاحمون لشراء أعشاب مغلية لا يعرفون ما هي، يبيعها ذلك المعالج بسعر الذهب، ويتزاحمون لرؤية شجرة تبدو أغصانها كلفظ الجلالة، ويشتمون من يتشكك في اختراع يقدر على تحويل الإيدز إلى كفتة..
بالطبع لا أعتقد أن من تسألهم المذيعة بهذه البلاهة . هناك أغبياء في كل مكان طبعًا، لكن ليس بهذا العدد ولا هذه القسوة... تفسيري لهذه الكليبات كما يلي:
- مخرج البرنامج ينتقي اللقطات التي تظهر البلاهة ويتجاهل اللقطات التي تظهر الذكاء.
- هناك أشخاص يشل تفكيرهم تلقائيًا إذا سألهم أحد فجأة... هناك فتاة سألتها عن اسمها فجأة فاكتشفت أنها نسيته.
- أضف لهذا هيبة الكاميرا.. أن يكون عليك أن تفكر بينما هناك ميكروفون يلتصق بفمك وكاميرا تهدر سوف تنقل صورتك للعالم كله.. لا شك أن مخك سيصاب بالشلل.
- هناك نوع الأشخاص المتذاكي الذي يتوقع خدعة ما.. ما دام السؤال بهذه السهولة فلابد أن الإجابة القريبة ليست المطلوبة.
- في أكثر من كليب رأيته كانت المذيعة تكشف عن مفاتنها أكثر من اللازم، ولا شك أن هذا عامل مهم للتشتيت.. نفس دور مساعدة المشعوذ على المسرح التي تجعلك لا تعرف متى خرج الأرنب من القبعة.
وفي النهاية هذه الكليبات صممت لتشعر المشاهد أنه رائع، وتشعره بالرضا الكامل عن النفس من منطلق (أنا بخير وأنت لست بخير). هناك أشياء مهمة لسلام الناس النفسي ومن دونها يشعرون بغضب وتوتر.. الرجل العادي لابد أن يؤمن أن الشباب (هايف) ورقيع، وأن أفلام زمان محترمة و(لها كصة)، وأن الأكل كله مسرطن وخطير، وأن الفنانين كلهم يعيشون حياة فاجرة، وأن النفوس تغيرت...
يقولونها ثم يشاهدون آخر كليب لهيفاء وهبي وآخر فيلم للسبكي، ولا يقرءون سوى صفحة الوفيات في الصحف، ويقضون الساعات مع الدراما التركية، ويتعشون كل ليلة من تيك أواي جديد، ولا يردون على الهاتف في موعد سداد الفلوس المستحقة عليهم، ويرتشون من أجل تمرير رخصة البناء المخالف هذه، ثم يقطعون علاقتهم بإخوتهم بسبب الخلاف على الميراث ..
في النهاية يشتمون تفاهة الشباب وينامون سعداء!