دانيال جولمان يسارا، هووارد جاردنر يمينا |
لي رأي سلبي – لعله أقرب إلى التعصب وضيق الأفق – في التنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية وكل هذه المصطلحات، وتفسير هذا يطول على كل حال وقد كتبت عنه عدة مقالات فيما سبق. وإن المرء ليعاود اليوم البحث عن الذين اهتموا بدراسة هذه المجالات منذ عشرة أعوام ونيف، فيجد أن من نجحوا فعلاً منهم هم أولئك الذين قرروا أن ينقلوا المجالات للآخرين. أي أن الطريقة المثلى للاستفادة هي أن تصير أنت نفسك مدرسًا ومدربًا. تدريب المدربين TOT هو سبيل النجاح الوحيد هنا.
لا أخلط هنا بين حبي الشديد لد. شريف عرفة كصديق عزيز عتيد، وبين جديته الصارمة في إجادة ما يدرسه أو يمارسه؛ سواء كان فن الكاريكاتور أو مجالات علم النفس. بصراحة لم أجرّب أن يحشو لي ضرسًا – تعرف أنه طبيب أسنان – ولن أجرؤ أن أجرّب، لكني بالتأكيد أعرف مقدار الجهد الذي يبذله في كتبه لتخرج من تربة أكاديمية مدققة تعرف ما تتكلم عنه، وهو حاصل على ماجستير إدارة أعمال وماجستير علم النفس الإيجابي التطبيقي من جامعة إيست لندن، وهو ماجستير حقيقي تابعت مراحل ولادته الشاقة، ولم يحصل عليه من جوهانسبرج بالتأكيد!
برغم أننا قريبون جدًا من الحدود التي أعتبرها محرمة مضللة – حدود التنمية البشرية – فإننا مطمئنون لأن معنا مرشدًا أمينًا يقود خطانا.
استجابة لمقال الأسبوع الماضي الذي تحدثت فيه عن أنواع الذكاء المتعددة، والتفرقة بين الذكاء والثقافة والنصاحة، كتب لي د. شريف عرفة:
«هناك فعلاً توجهات لعلماء النفس للتوسع في تعريف الذكاء ليتجاوز فهمنا التقليدي له؛ فمثلاً طرح هوارد جاردنر من جامعة هارفاد مفهوم الذكاءات المتعددة، موضحا أن الذكاء ليس واحدًا عند كل الناس بل له تجليات متعددة، فهناك الذكاء الاجتماعي (فهم الناس و التعامل معهم) والذكاء الرقمي المنطقي (التعامل مع المعادلات والأرقام) والذكاء الموسيقي (عند الملحنين والمغنين ) والذكاء اللغوي (مثل الشعراء و الأدباء) والذكاء الداخلي (فهم والتعامل مع عالمنا الداخلي من مشاعر وأفكار) والذكاء البصري الفراغي (مثل الفنانين التشكيليين والمصممين ومهندسي الديكور…) والذكاء البدني (كما عند الرياضيين والراقصين ولاعبي الأكروبات..) وهو تقسيم لا يكتفي بهذا بل يفتح الباب لأنواع أخرى للذكاء، كالذكاء الوجودي والذكاء الروحي والذكاء في فهم الطبيعة… إلخ
وأيضًا، طرح بيتر سالوفاي (رئيس جامعة ييل الحالي) مفهوم الذكاء العاطفي أيضًا (وهو مزيج من الذكاء الاجتماعي والداخلي في التقسيم السابق) وهو الذكاء الذي أصبح مشهورًا لدى القارئ العادي بسبب كتاب دانييل جولمان الشهير عنه. وهناك دراسات عديدة توضح أهمية هذا الذكاء العاطفي في مجالات عديدة كالنجاح الدراسي والأكاديمي. باختصار: مهما كنت ذكيًا، فإن هناك من هو أذكى منك في نوع آخر من الذكاء».
في كتابه الأخير خصص فصلاً كاملاً للكلام عن الذكاء العاطفي، لكني لا أعرف الاسم النهائي الذي اختاره لهذا الكتاب.
تذكرت هنا أنه كلمني منذ عام تقريبًا عن نظرية جاردنر هذه، لكني نسيت كالعادة. على كل حال أذكر لك بسرعة ملخص عدة مواقع إنترنت تتكلم عن الرجل ونظرياته. هو أمريكي ولد عام 1934 وهو أستاذ الإدراك والتعليم للدراسات العليا في جامعة هارفارد. ملامح وجهه لا توحي بالذكاء، بل إنه مصاب بعمى ألوان خطير ومشكلة في تمييز الوجوه، لكنه نال أوسمة وشهادات فخرية من نحو 26 جامعة، وله كتب مهمة تربو على العشرين أشهرها (إطارات العقول – 1983).
الحقيقة أن هذا الكتاب أحدث زلزالاً في فهم الذكاء البشري. فالذكاء أنواع مختلفة، ولا يوجد ذكاء مطلق أو غباء مطلق. تعريف الذكاء التقليدي هو القدرة على التكيف السريع مع وضع مستجد، ولكن جاردنر لاحظ أولئك الموهوبين الذين لا يحصلون في اختبار الذكاء إلا على درجات متوسطة أو دونها، مما جعله يعتقد أن الذكاء مؤلف من عناصر عدة متراكبة، ورفض اختبارات الذكاء التقليدية التي تضعك تحت رقم IQ. يجب أن نعترف بتعدد الذكاء الإنساني فالذكاء لدى البحارة مثلاً هو البراعة في الملاحة، وكذلك بالنسبة للفلاحين والصيادين والمهندسين.. إلخ. هناك ذكاء لا يعتمد وحده على المهارات اللغوية أو الرياضيات والمنطق، التي طالما مجدتها اختبارات الـIQ. وصنف جاردنر الذكاء إلى ثمانية أقسام (أعتقد أنك يجب أن تنتحر لو لم تجد نفسك في أي قائمة):
يمكن بسهولة أن تدرك تأثير هذه النظرية على التعليم. ليس الطفل الذكي بالضرورة هو من يعرف تاريخ تكوين عصبة الأمم أو يضرب 13567 في 88.
هنا يستطيع كل طفل أن يحقق ذاته وأن يكشف عن نوع الذكاء المناسب له. كان مدرسو اللغة العربية والإنجليزية يعتبرونني عبقريًا، بينما آمن مدرسو الرياضيات والفيزياء أنني معتوه أو متخلف عقليًا، واعتقد مدرس الرياضة البدنية أنني مصاب بجلطة في المخيخ أو شلل نصفي. إن تصميم المناهج طبقًا لنظرية جاردنر هو تحد شديد الصعوبة، لكنه يحول المجتمع إلى حشد من الأذكياء كل واحد في مجاله، فلا يُدفن مهندس أو جراح أو رياضي أو رسام دون أن نفجر قدراته تلك.
هناك كلام كثير عن دانييل جولمان والذكاء العاطفي، لكن المقال قد طال.. لربما أعرضه في مقال آخر إن شاء الله.
- الذكاء اللغوي: وهو مفهوم من اسمه. والأذكياء من هذا النمط يحبون القراءة والكتابة. منهم الشعراء والأدباء والممثلين.
- الذكاء المنطقي ـ الرياضي: موهبة حل المشاكل، وطرح أسئلة بشكل منطقي. هذا نوع من الذكاء تجده لدى العلماء والمهتمين بالرياضيات وخبراء الاقتصاد في كل مكان عدا مصر طبعًا.
- الذكاء التفاعلي: القدرة على فهم الآخرين، والتفاعل معهم. يبدو واضحًا لدى المدرسين والسياسيين – الجيدين منهم – والزعماء الدينيين.
- الذكاء الذاتي: فهم الشخص لذاته وقدرته على العمل منفردًا. وهو بارز لدى الفلاسفة ومعظم من يفضلون العمل وحيدين. المنطوون على أنفسهم ليسوا بالضرورة مالكين لهذا الذكاء.
- الذكاء الجسمي ـ الحركي: يمكنك بسهولة أن تدرك أن هذا الذكاء واضح عند الرياضيين والراقصين والجراحين. من الصعب أن تتخيل أن نوعًا واحدًا من الذكاء يجمع بين لوسي ومجدي يعقوب والحضري، لكنها الحقيقة.
- الذكاء الموسيقي: العنوان يفسر نفسه. قل محمد عبد الوهاب لينتهي الأمر. الأذن الموسيقية موجودة لدى الشعراء والموسيقيين والمطربين.
- الذكاء البصري ـ الفضائي: يمكنه عمل علاقات فراغية تخيلية.. يحب الخرائط وألعاب المتاهات. يتميز في هذا المجال النحاتون والمهندسون المعماريون. إنه نوع الذكاء الذي نعرف يقينًا أنه غير موجود لدى من نحت تمثال كليوباترا أو رجل قطونيل.
- الذكاء الطبيعي: يميل صاحب هذا الذكاء لدراسة الكائنات الحية وتصنيفها. لابد أن داروين ولينيوس كانا يملكان قسطًا هائلاً منه.
يمكن بسهولة أن تدرك تأثير هذه النظرية على التعليم. ليس الطفل الذكي بالضرورة هو من يعرف تاريخ تكوين عصبة الأمم أو يضرب 13567 في 88.
هنا يستطيع كل طفل أن يحقق ذاته وأن يكشف عن نوع الذكاء المناسب له. كان مدرسو اللغة العربية والإنجليزية يعتبرونني عبقريًا، بينما آمن مدرسو الرياضيات والفيزياء أنني معتوه أو متخلف عقليًا، واعتقد مدرس الرياضة البدنية أنني مصاب بجلطة في المخيخ أو شلل نصفي. إن تصميم المناهج طبقًا لنظرية جاردنر هو تحد شديد الصعوبة، لكنه يحول المجتمع إلى حشد من الأذكياء كل واحد في مجاله، فلا يُدفن مهندس أو جراح أو رياضي أو رسام دون أن نفجر قدراته تلك.
هناك كلام كثير عن دانييل جولمان والذكاء العاطفي، لكن المقال قد طال.. لربما أعرضه في مقال آخر إن شاء الله.