مأساة هذا الأسبوع هي الجريمة التي حدثت يوم مباراة مصر والكاميرون، عندما ذبح شاب في أحد الكافيهات الراقية بمصر الجديدة عندما اختلف مع النادل على الفاتورة المبالغ فيها.
أنت تعرف تفاصيل الحادث طبعًا، وكيف أغلقت إدارة الكافيه الأبواب لتحصيل حساب المشروبات من الزبائن، وهي طريقة مهينة للغاية. أضف لهذا إصرار الكافيه على تحصيل الإتاوة المسماة (مينيمام تشارج). تطور الأمر لمشاجرة كلامية تصاعدت حرارتها، فتطوع بلطجي في الكباريـ .... أ.. في الكافيه يُدعى (فزّاع) بطعن الشاب محمود بيومي عدة طعنات أدت لنقله إلى مستشفى كليوباترا، حيث توفي على الفور. يمكنك هنا سماع تسجيل لمكالمة هاتفية تحكي تفاصيل الحادث، ولا أعرف بصراحة من حصل عليها ولا كيف سمح بإذاعتها، لكنها قدمت في برنامج وائل الإبراشي.
الشاب القتيل لا يحمل أي سمة من سمات العدوانية، فهو ابن أستاذ في كلية طب المنصورة، وتخرج في الجامعة البريطانية، وكان مسافرًا للعمل في الكويت بعد يومين، وكانت معه خطيبته. يمكن بسهولة أن يكون ابنك أو أخاك. القاتل عند ضبطه كان يحمل 2 جم من الهيروين ومطواة.
كالعادة بعد وقوع الفأس في الرأس بدأت حملة أمنية لملاحقة طاعون الكافيهات غير المرخصة، الذي تفشى في البلاد. ثقافة الفراغ والشيشة جعلت الكافيهات غير المرخصة في كل مكان فعلا. في طنطا هناك حرب مزمنة بين شرطة المرافق وتلك الكافيهات، وفي رمضان كان زحام الجالسين عليها يتزايد بعد أذان الفجر! وأشهد أن العميد مهند أبو ليمون -الذي لم ألقه في حياتي- بذل جهدًا يفوق الوصف في محاربة هذه الظاهرة، لكنها تعود في كل مرة كأنها خلايا السرطان لتسد الطرق وتنشر الضوضاء والتحرش وسحب الدخان.. والويل لمن يعترض.
قامت الشرطة بتحطيم واجهات عشرات المقاهي (70 مقهى في مصر الجديدة وحدها). رغم أن سكان تلك المناطق ظلوا يجأرون بالشكوى عدة أعوام ولا أحد يغيثهم. هناك كلام كثير عن فساد المحليات أو أن أصحاب هذه المقاهي بينهم عدد كبير من باشاوات الداخلية. لن يدهشني هذا. كنت أركب (ميكروباص) في شارع الجلاء بالقاهرة منذ أعوام، وكان السائق يسمي كل ميكروباص باسم الباشا الذي يملكه ويحميه: ده بتاع فلان بيه.. ده بتاع علان بيه.. بالتالي هو فوق القانون ولو دهم أسرة كاملة.
الموضوع الآخر الذي يسبب مشكلات لا حصر لها طيلة الوقت؛ هو ذلك الاختراع الشيطاني المسمى (مينيمام تشارج)، أي أنك حتى لو طلبت كوب ماء أو كوب شاي، فعليك أن تدفع خمسين جنيهًا مثلا. قرأنا منذ زمن في جريدة الدستور أنه لا يوجد شيء كهذا، وأن عليك لو طلب منك النادل منيمام تشارج أن تطلب الاطلاع على تصريح وزارة السياحة بذلك. الحقيقة أنك لا تفعل غالبًا لأنك تصاب بالحرج من مرافقيك أو الحسناء التي معك. كلنا نبتلع غيظنا وندفع في صمت. لكن تدهور الأمور صار يحتم عليك أن تكون إيجابيا، وتقوم بعمل محضر في جهاز حماية المستهلك بأن تتصل برقم 19588 أو عبر موقع الإنترنت.
تذكرت قصة وقعت في طنطا عام 2014 ونشرت في موقع (نادي طنطا)، وقد كان من الممكن أن تتطور إلى نفس النهاية. أتركك مع البوست الذي يحكي عن شاب طنطاوي شجاع يعرف حقوقه، اسمه مصطفى خاطر وأعتقد أنه محام أو محاسب أو عمل في السياحة مثلا، والأهم من كونه شجاعًا أنه محظوظ! استطاع أن يظل حيًّا. لم يكن فزّاع موجودًا في ذلك اليوم:
أول يوم العيد رحت أنا والأسرة كافيه (...) على السريع. ركنت العربية ووقفت على الباب قالوا مافيش مكان وفي ويتينج. استنيت حوالي نص ساعة وبعدين دخلنا. الغريبة إني لقيت أكتر من ترابيزة فاضية ومع ذلك الناس واقفة ويتينج!!
طلبنا أوردر واللي بياخد الأوردر لما لقا الأوردر مش كبير قالي كده في مينيمام تشارج 50 جنيه للفرد، قلتله مابدفعش مينيمام ضحك وسابني ومشي. الأوردر جه وخلصنا قلت أطلب بيتزا واخدها تيك أواي قالي هتاخد ساعة ونص!! قلتله لا خلاص هاتلي الشيك.
الشيك جه وفيه حسابنا 56 جنيه دا اللي احنا طلبناه وفيه زيادة 100 جنيه خدمة ومينيمام تشارج!!
معلومة للي مايعرفش مش من حق أي مكان يفرض مينيمام تشارج إلا لو كان منشأة سياحية وعضو غرفة السياحة، ودي بتبقى لوحة بارزة وواضحة في أي مكان سياحي، وكمان لو كان سياحي عشان يفرض مينيمام لازم يوضح للعملاء كتابة في مكان واضح أنه فيه مينيمام تشارج، عشان الناس تعرف قبل ما تدخل.
روحت للكاشير سألته المكان دا كام نجمة؟ قالي لا مافيش نجوم قلتله يعني مش سياحي؟
قالي لا اعتبرني ولا نجمة. قلتله خلاص يبقى حضرتك أنا مش هدفع غير اللي طلبته بس والخدمة بس مش هدفع مينيمام.
قالي: ما كل الناس دافعة هو انت أحسن منهم كلهم؟ قلتله الناس بتتحرج أو مش عارفة حقها دي مشكلتهم بس دا أنا حقي ومش هدفع. جابلي مدير والمدير قالي لا يا فندم إحنا مكان سياحي. قلتله طيب وريني حضرتك ترخيص السياحة. قالي إنت مش شرطة سياحة ومش من حقك تشوفه.
قلتله مع إنه المفروض يبقى متعلق وواضح، بس أوكي خلاص يا فندم أنا هدفع الـ150 وهدفع ألف جنيه كمان لو عايز، بس بعد إذنك طلعلي فاتورة ضريبية عليها اسم وعنوان المكان ورقم السجل الضريبي بالمبلغ اللي عايزني أدفعه وأنا هدفع على طول.
معلومة برضه للي مش عارف: أي مستهلك في أي مكان تجاري مهما كان من حقه يطلب فاتورة ضريبية وبيتم إصدارها عند الطلب، ورفض إصدار الفاتورة يعتبر جريمة وتهربا ضريبيا.
رفض وقالي مش من حقك تاخد فاتورة إنت مش شرطة. قلتله يا فندم شرطة إيه أي زبون من حقه يطلب فاتورة. قالي ماعندناش فواتير قلتله خلاص أنا مش دافع حضرتك اطلبلي الشرطة تيجي تدفّعني. يا إما هدفع اللي طلبته بس وهمشي. قالي لا مش هطلب حاجة وادفع أحسن إنت معاك حريم عشان مايتبهدلوش!!
وبعدها قالي أو ماتدفعش خالص وامشي ومش هدخلك هنا تاني وبعدين سلم الشيك لواحد من اللي شغالين وقاله حصل الشيك كامل وابقى آجي وألاقي الشيك ماتدفعش!
بعد ساعة إلا ربع الشرطة ماجتش، كلمتهم تاني وقلتلهم إني محجوز في المكان ومانعني أمشي قالولي هنستعجلهم، وبعدها بـ5 دقايق جات 3 عربيات شرطة وعساكر بآلي وسرينة ووقفوا قدام الكافيه وكل الناس بدأت تاخد بالها.
مدير المطعم طلب من الشرطة تقف بعيد عن باب المطعم ومشيوا من قدام الباب جه الظابط حكيتله الموضوع، وقعد يقنعني إنه موضوع تافه مع إني شرحتله إنه مش موضوع فلوس، وإن ده حقي غير إني اتهنت واتحبست جوا واتهددت بأهلي، وهو بردو مصرّ إنه تافه أصريت إني أحرر محضر وهنا بقا بدأ موضوع تاني.
الظابط قالي إنت شكلك فاضي قلتله أيوه أنا فاضي!!
الشرطة قعدت مش أقل من ساعتين كاملين واقفين في الشارع بيقنعوني ماعملش محضر قلتله مش هعمل محضر بس عايز فاتورة.
مدير المطعم المالي كان واقف ورفض يطلع فاتورة وكمان قطع الشيك قدام الظابط بس أنا صورته قبلها. لحد في الآخر الظابط قالي: هخليك ماتدفعش حساب خالص وهجبلك اللي شغالين كلهم يعتذرولك وهتيجي تقعد بعد كده براحتك، وهديك رقمي ولو أي حد ضايقك كلمني وأنا هاجيلك!!! كل ده عشان بس ماعملش محضر!!!
بكل اللي اتعرض عليا دا أصريت أكتر إني أعمل محضر لأني عرفت إني على حق وإلا ماكانوش يعملوا كده.
نشفت دماغي وقلت للظابط إنه مايضيعش وقته ويلا على القسم في الوقت دا في كام أمين شرطة كلموني على جنب، وقالولي ده حقك ولازم تعمل محضر، وهما عايزين ينيموا الموضوع، حتى لو وقتي هيضيع بس على الأقل هحاول آخد حقي ولو ماجاش هابقى عملت اللي عليا.
رحت قسم تاني طنطا مع الدورية وعملت محضر بكل التفاصيل دي وبحبسي وتهديدي في المكان وبتوع (...) رفضو ييجوا القسم عشان يقولو أقوالهم وهيتبعتلهم المحضر رقم......
وبعتّ شكوى لحماية المستهلك بخصوص المينيمام تشارج وسوء المعاملة ورفض إصدار فاتورة.
- هبعت شكوى لمصلحة الضرايب بخصوص رفض إصدار فاتورة ضريبية.
- هبعت شكوى للغرفة السياحية بخصوص فرض مينيمام تشارج لغير منشأة سياحية.
- هاخد رقم قضائي للمحضر وهطلب تحقيق نيابة.
يا ريت ماحدش يسيب حقه حتى لو شايف إن ده مبلغ صغير وعادي بس انت وغيرك بتتسرق خليك إيجابي وحارب الاستغلال واطلب حقك.
لا أجد ما أعلق به سوى جزء من قصيدة أحمد فؤاد نجم عن الشيخ عاشور: "يا سلام يا واد.. على دا واد.. لو خمسة منه ف البلد.. ما كانش كان كل اللي كان.. ولا كان ده حالك يا بلد.. مدد يا شيخ عاشور مدد!".