مخترع جهاز الكفتة لعلاج الإيدز اللواء عبد العاطي |
في سبق صحفي كاسح، تمكنت جريدة المصري اليوم من إجراء حوار جديد مع اللواء عبد العاطي، وهو – بلا أي مبالغة أو مزاح – انفراد احترافي يضحي أي رئيس تحرير بذراعه كي يظفر به لجريدته. أن يتكلم الرجل بعد صمت طال، وبعد كل ما قيل عنه والتساؤلات عن مصيره، وبعد ما أثبت الزمن أن جهازه بلا قيمة، يتكلم الرجل فيصير هذا على الأرجح أكثر المواضيع قراءة في الصحف وعلى شبكة الإنترنت.
قال الرجل – كالعادة – إن الهجوم على شخصه تم بغرض الهجوم على الجيش ومصر، وبالطبع ليس هذا خطأه، فالجيش منذ البداية أقحم هذا الرجل ليمثل سمعته، بينما الجيش المصري ليس هو عبد العاطي، وليس هو اختراع الكفتة.. هم يصرون على ذلك في عناد، وبالتالي فقد صار من الممنوع أن تعتقد أن عبد العاطي قد فشل. يذكرني الأمر نوعًا بربط الدين بشيء غير مجرب علميًا مثل بول الإبل، فإذا فشل بول الإبل وتدهور المرضى قيل إن الدين أخطأ. وصلنا لمرحلة جعلت كل من يتشكك في اختراع الكفتة عميلاً يتقاضى المال من الأعداء.
أحد المذيعين قال عن عصام حجي العالم المصري الذي تشكك في هذا الاختراع: «الأهطل الجاهل الحقود يقول ده إيريال؟ دي لغة علماء؟». وهل هذه لغة مذيعين إذن؟ وهل وصف الدواء بأنه يحول الفيروس لصباع كفتة هو الكلام العلمي؟ عبد العاطي يرى أن الإخوان هم من عينوا عصام حجي في منصبه، لهذا هو يحارب الجهاز من منطلق إخواني.
قال عبد العاطي إن الإخوان هاجموا الدواء منذ البداية، وكانت القوات المسلحة مشغولة بالأمن الداخلي لذا طلبت إعادة تقييم الجهاز برغم نتائجه المذهلة.
كعادة هذه الاختراعات يجري أبحاثه في سرية تامة، ويقول إنه لن يفضح تقنياته أمام إغراء حديث صحفي. كالعادة يخشى مافيا الدواء – بارك الله فيها – التي حمت كل الاكتشافات العلمية الفاشلة منذ أيام علاج الإيدز MM1. بل إنه يرفض أسلوب PCR الغربي أصلأً لأن لديه أساليب عبقرية لا يفهمها الغرب. يا سلام!! وكيف تفتش عن الفيروس إذن؟ وكيف تزعم أنك شفيته؟ هل تكتفي بأن يقول لك المريض إنه «أحسن والحمدلله»؟
ثم هو رائد مدرسة «الطب الكوني» بينما كل علماء مصر يجهلون ماهية الطب الكوني العظيم، وهو حاصل على شهادة لممارسته في جوهانسبرج. نحن إذن نتحدث عن عجينة لا يمكن الإمساك بأي طرف لها، ونعود لعصر الأخلاط والمغناطيسية الحيوانية وتحويل علم الطب الراسخ إلى فلسفة. لا يعرف أن فيروس السي لا يستزرع إلا في الرئيسيات. ولا يعرف أنه يتكاثر في الكبد أساسًا لذا يصير تطهير الدم الفرعي غير ذي جدوى. وهل علاجه يكلف ثمن علبة سجائر بالتسعيرة القديمة أم الجديدة؟ وما نوع السجائر بالضبط؟
الكلام بعد هذا خليط من نظريات المؤامرة وطب الأعشاب وشركات الدواء الإسرائيلية كلها، حتى أنني توقعت أن يتكلم عن الماسونية الصهوينة العالمية. ثم يسأل – عبد العاطي – سؤاله العبقري: «هو اللى ما يتخرجش غير من كليات الطب في مصر ما يبقاش دكتور؟». هو رجل دقيق لغويًا.. بالفعل لن يكون دكتورًا سوى من حصل على دكتوراة، لكن من لا يتخرج في كلية الطب ليس طبيبًا. ويقول: «أتحدى أن يصل أحدهم لنتيجة واحدة من التي توصلت إليها في علاج المرضى، وإن تمكنوا من علاج مريض وصلت درجة التليف لديه للمستوى الرابع أو الثالث، ويجعلوها صفرًا كما فعلت، في هذه الحالة فقط سأعترف بهم».
وهل أنت استطعت فعلاً إزالة التليف في المستوى الثالث؟ إذن لصدر عنك العدد القادم من مجلة أمراض الكبد ومجلة أمراض الجهاز الهضمي، وإذن هي نوبل خلال عامين أو أقل، لكنك قلت إن نوبل لا تلزمك على كل حال لأن نوبل اخترع الديناميت.
تعبت من الكلام عن هذا الاختراع وسئمته ولم يعد لدي ما يقال، بعد ما أوحى لي بكتاب مقالات كامل اسمه (شربة الحاج داود)، وقد قلت كل ما بوسعي قوله عن علامات العلم الزائف والطريقة العلمية التى أوصلت الغرب لمكانته.. و.. و… لقد صرت كالليمونة التي تم عصرها ولم يعد لدي شيء يُضاف في هذا الصدد. هناك كتاب جديد للمبدع أسامة غريب اسمه «أجهزة النيفة المركزية» لا يقتصر بالكلام عن هذا الموضوع، لكنه بالتأكيد يتكلم عنه في قسط كبير منه. عبقرية هي أن تظل مستمرًا وعنيدًا إلى أن تخرس ناقديك وتصيبهم بسرطان النخاع المتعدد أو الفشل الكلوي.
ما يهمني الكلام عنه هو أنه لا أحد يفشل في مصر.. فقط انتظر بضعة أعوام ثم أعد طرح ما قلته بعناد، ولسوف تهتز شكوك الناس فيك بعد فترة ويقولون: لربما كان على حق؟
هكذا لو قرأت التعليقات على النت لوجدت كثيرين يقولون إن هذا العالم العظيم أراد الخير لمصر لكن الإخوان وأعداء الجيش حاربوه!
تسامح مذهل يتحلى به الناس نحو من خدعهم أو أخطأ في حقهم. الأمثلة لا حصر لها، وليس عبد العاطي سوى نموذج بسيط.
شركات تنظيم الأموال في التسعينيات نصبت على المواطنين واستلبت أموالهم بمشاريع وهمية، وبرنامج مبهم اسمه «سيب فلوسك مع الحاج وما تفكرش .. البركة حتشتغل» واستغلالاً لجشع الناس مع أرباح ربوية أعلى لكنها تزعم أنها غير ربوية. وعندما أغلقت الشركات أبوابها كنت ترى المتظاهرين الذين فقدوا تحويشة العمر يصرخون ويلطمون الخدود. بعد أعوام عادوا يتكلمون عن تجربة الاقتصاد الإسلامي الناجحة التي أجهضتها الحكومة كارهة الإسلام، وعاد الريان والسعد يحكيان قصص كفاحهما.
قرأت منذ أعوام دفاعًا محمومًا عن رئيس تحرير جريدة مستقلة. هذا الرئيس ارتكب خطأ مروعًا من أجل ترويج جريدته، ونشر صورًا فاضحة لرجل دين – تبين أنه مشلوح أصلاً – في جريدته، مما أشعل البلاد وتسبب في ألعن فتنة طائفية ممكنة. بعد أعوام عادوا يقولون إنه شهيد الصحافة وإنهم أسكتوه لأنه نطق بالحقيقة. ليرحمه الله فقد توفي على كل حال.
وماذا عن الإعلامية التي اتهمت شعبًا عربيًا كاملاً بالدعارة، ثم عادت بعد وقفها تظهر على الشاشات لتشتم المصريين بشراسة لأنهم لا يكتفون بوجبتين؟ برغم هذا وجدت من يدافع عنها.
وماذا عن الإعلامية التي نشرت صورًا فاضحة مسروقة من هاتف ضيفة برنامج؟ ثم عادت مثل نبلاء البوربون لتقدم برامجها، كأن شيئًا لم يكن.
لماذا عاد كل من قامت ضده ثورة يناير ولماذا صار بطلاً نبيلاً، ورد له اعتباره بعد ما تباروا على تمزيقه واتهامه وسبه عندما كانت كفة الثورة راجحة؟
لا أحد يفشل أو يُعاقب في مصر. فقط هو يختفي لفترة مؤقتة ثم يعود قائلاً: «لقد اضطهدوني لأنني شريف، أو لأن عندي وثائق. إلخ».. وهناك من يصدقه دائمًا.
نحن نملك ذاكرة الأسماك.. ننسى بسرعة فلا نجد الوقت ولا الذاكرة الكافية لنغفر. أن تغفر للآخرين هذا أمر يحتاج لحد أدنى من الذاكرة والوعي. ننسى ثم نرحب بالقادم الجديد كأنه لم يخدعنا أو يؤذنا من قبل، ونعاوده كأننا لا نحمل أثر فأسه، ويبدأ كل شيء جديد دون أدنى قدر من التراكم.