قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Saturday, September 19, 2009

نعرف ما سيحدث


أنت تعرف ما سيحدث لو تفشي وباء إنفلونزا الخنازير أكثر من هذا في مصر. الالتزام بالتعليمات الصحية.. عندما تري بناية حديثة، وقد علقت جوار المصعد في كل طابق ورقة تتوسل للسكان كي يدفعوا رسوم الصيانة، وهي غالبًا عشرون جنيهًا في الشهر يأبي أن يدفعها من دفع نحو المليون ثمنًا لشقته. وهكذا يتلف المصعد وتملأ القذارة الممرات ويتعطل موتور المياه، وتتحول البناية إلي خراب ينعق فيه البوم. عندما تري هذا يصعب عليك أن تصدق أن الناس يمكن أن تسلك اليوم مسلكًا حضاريًا يقتضيه العقل والمصلحة العامة

أنت تعرف ما سيحدث في المستشفيات.. طبيب صدر من أصدقائي فحص بعض المرضي وتخلص من القناع في القمامة، فزجرته الممرضة قائلة إن هذه الأقنعة يتم جمعها في نهاية اليوم للاستعمال ثانية
وأدرك في هلع أنه وضع علي أنفه قناعًا تنفس فيه العشرات من قبله. كنت عائدًا من الخارج فاستوقفتني ممرضة تعسة مرهقة تقف وراء دكة، وعلي أنفها قناع متسخ ملوث بالإفرازات، لتدس ترمومترًا رقميًا في أذني لربع ثانية ثم تقول

 «إنت كويس. عدي»

قلت لنفسي إن هذه الممرضة التعسة هي الحاجز الذي يصد الوباء عن مصر إذن.. فكيف أطمئن؟. لقد تقدمت طرق فحص القادمين نوعًا، لكن طريقة التفكير هي ما يقلقني

برغم الدلائل المخيفة والعلامات المقلقة، يصر وزير التربية والتعليم بعناد اعتادته الحكومة علي أن الدراسة ستبدأ في موعدها شاء من شاء وأبي من أبي، وبرغم توسلات ورجاء المواطنين، وتذكيرهم له بأن العملية التعليمية لا لزوم لها أصلاً و(مش فارقة). نحن نعرف الكارثة التي ستحدث في المدارس، حيث لا تهوية ولا إضاءة ولا شيء، وعندما يموت الطفل المئة سوف يقولون: «فعلاً.. كان من الواجب أن نؤجل الدراسة قليلاً».. لكن تصريحات الرئيس مبارك مؤخرًا توحي باهتمامه بالموضوع، ما يدل علي أن سيناريو (الرئيس ينقذنا من تعنت وزرائه) سوف يتكرر هذه المرة غالبًا. وبالفعل تم تأجيل الدراسة أسبوعًا أعتقد أنه قابل للتمديد. لكن المشكلة الحقيقية هي الدروس الخصوصية.. يجب ألا ننسي أن كل مدرس قد افتتح مدرسة في بيته، وعدد الطلاب في المجموعة الواحدة لا يقل عن أربعين لدي البعض

المشكلة هي أنك لا تتبين الحقيقة أبدًا بين حكومة تكذب دومًا وأقارب مريض ينكرون كل شيء، ويتهمون الحكومة طيلة الوقت. المهم الصراخ والتشكيك.. كانت مصر خالية من إنفلونزا الطيور بشهادة منظمة الصحة العالمية، فكتبت كل الصحف المعارضة والمستقلة عن الحكومة التي تتكتم وعن القري الكاملة المحاصرة التي تموت بإنفلونزا الطيور. بعد هذا بأشهر غزت إنفلونزا الطيور مصر فخرجت صحف المعارضة تؤكد أن الوباء لا وجود له ووهم كبير، وخرجت مظاهرات أصحاب مزارع الدجاج يلوحون باللافتة الشهيرة: لمصلحة من؟..

يقول زوج أول ضحية توفيت بإنفلونزا الخنازير في مصر إن زوجته لم تصب بهذا المرض، ولم تعان من أمراض أو أزمات قلبية علي مدار السنوات الثلاث الأخيرة. هذا كلام يناقض نفسه، فالرجل يؤكد لنا أن زوجته لم تصب بإنفلونزا الخنازير، لكنه في الوقت نفسه ينفي عنها أي مرض آخر.. إذن كيف توفيت؟... اتهم الزوج وزارة الصحة بفبركة مرض زوجته، سعياً لإلغاء موسم الحج والعمرة هذا العام. والسؤال هنا: ما الذي تستفيده وزارة الصحة من إلغاء موسم الحج؟.. هل هم مجموعة من كفرة قريش؟

هنا يأتي التفسير في نظرية المؤامرة الشهيرة.. في نفس الصفحة يرد أحد القراء: «نما إلي علمنا أن الدول العلمانية تود أن تحتكر أو تحاول جمع أموال المسلمين التي سوف تصل للمملكة العربية السعودية عن طريق الحج والعمرة وذلك لسد بعض الفائض المهدور من أموالها ومحاولة لإنقاذ الحالة الاقتصادية العالمية وذلك بحجب الأموال عن الحج والعمرة بسبب التغطية الإعلامية لفيروسات وهمية الكينونة. عامةً دون أن أطيل: الفيروس ممكن القضاء عليه بالبصل والليمون أما باقي الفائض العالمي سوف يوجه إلي شركات المحمول والفضائيات أو الدولة الحديثة. وربنا يرحمني». هذه هي لهجة العلم المطلق التي تثير غيظي.. ومع أنني لم أفهم نهاية العبارة الملتفة، فمن قال لك إن الفيروس يباد بالبصل والليمون؟... ولماذا لم تقم بتسجيل براءة هذا الاختراع العبقري؟

هناك كذلك نغمة أن الموت موعد مكتوب لا مفر منه، فمن قلة الإيمان أن نحاول تعطيله. الذين قالوا هذا كانوا أول من هرع ليعالج في الخارج عندما مرض. الله يأمرنا باجتناب الأذي وأن نتداوي.. هذا شيء بدهي لكننا ننساه

أذكر حادثة صغيرة وقعت منذ ثمانية قرون، في العام 1341 ظهر وباء الطاعون الأسود زاحفًا من قلب آسيا، بدأ الكابوس بمجموعة من التجار الإيطاليين العائدين من الصين، طاردهم التتار فاضطروا للفرار نحو أسوار ميناء كافكا. دام حصار التتار للتجار ثلاثة أعوام وفي ذات يوم نفدت مقذوفات التتار مما جعلهم يستعملون نوعًا جديدًا من القذائف: جثث من ماتوا بالطاعون في صفوفهم..! هذه كانت أول حرب بيولوجية في التاريخ. وهكذا بدأ الوباء.. ثم عاد التجار الإيطاليون فارين لبلادهم، فبدأ الوباء يزحف معهم نحو العراق والأناضول ومصر وشمال أوروبا.. وبسببه خلت غزة وجنين ونابلس من سكانها

عام 1350 أعلن البابا كليمنت السادس تحديد العام للحج إلي الفاتيكان طلبًا لرفع الوباء عن المسيحيين؛ ولكي يتطهر الناس من الخطيئة. هذه كانت أسوأ فكرة ممكنة؛ لأن مليونًا ونصف المليون من الحجاج قصدوا الفاتيكان، لم يعد منهم سوي العُشر

خلاصة القصة: عندما ينتشر الوباء، فليس من الحكمة أبدًا أن تضع ملايين البشر في مكان واحد، وهذا ينطبق علي الحج والعمرة والمدارس والمباريات ودور السينما وكل شيء.. نحن في ظروف حرجة وعلينا أن نتعامل علي هذا الأساس

يمتلك فيروس إنفلونزا الخنازير
«H1N1»
خاصية رهيبة تتميز بها فيروسات الإنفلونزا ( أ) عامة، هي أنه يقوم داخل الخلية بتفكيك نفسه إلي ثمانية أجزاء ويقوم بتبادلها مع فيروس آخر فيما يدعي بعملية إعادة التصنيف
Reassortment
وهكذا يولد فيروسان جديدان تمامًا.. يمكن تخيل اختلاط الفيروسات القادمة من الصومال مع القادمة من ماليزيا ومصر وألمانيا وتركيا.. أي أمزجة عبقرية تقاوم أي علاج سوف تنتج؟

تبدأ البشائر مع إصرار أصحاب الموالد - مسلمين كانوا أو مسيحيين - علي إقامة الموالد في موعدها مهما كان الثمن. ليس الموضوع حماسًا دينيًا خالصًا ولكن الحسابات الاقتصادية تلعب دورًا مهمًا هنا

لكن ماذا عن الحج والعمرة؟.. لقد اتخذت وزارة الصحة قرارها وانتهي الأمر، لكن يجب هنا ذكر حقيقتين: تقريبًا معظم الحالات في مصر عائدة من السعودية أو اتصلت بشخص قادم من السعودية، ويسهل التأكد من هذا بمراجعة الأخبار.. الحقيقة الثانية التي يتناقلها الأطباء المصريون شفويًا؛ هي أن المرض متفش بشكل واضح في السعودية. هل مصر قادرة فعلاً علي عمل حجر صحي محكم لكل عائد من الحج والعمرة؟.. وهل هي قادرة علي فرز الذين هم في فترة الحضانة ولم ترتفع حرارتهم، ويمكنهم المرور بسلام من أي مسبار حراري؟

الحقيقة الثالثة هي أن السلطات السعودية فعلت شيئًا مشابهًا من قبل، فمنعت في عام 2001 مواطني أوغندا من دخول الأراضي المقدسة لأداء مناسك الحج نتيجة انتشار مرض الإيبولا القاتل في البلاد، كما ألزمت عددًا من الدول الموبوءة بتقديم شهادة تطعيم ضد الحمي الصفراء سارية المفعول، وشهادة أخري تفيد بإبادة الحشرات والبعوض علي الطائرات القادمة من هذه الدول، كما منعت حجاج هذه الدول من جلب أي مواد غذائية معهم

روي مالك أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ رأي امرأة مجذومة تطوف بالبيت، فقال لها: يَا أمة الله لا تؤذي الناس لَوْ جَلَسْتِ في بيتك فجلستْ، فمر بها رجل بعد ذلك، فقال لها: إِنَّ الَّذِي كَانَ قَدْ نَهَاكِ قَدْ مات فَاخْرُجِي، فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لأطيعه حيًا وأعصيه مَيِّتًا. هكذا قدم عمر بن الخطاب سلامة المسلمين علي الطواف

الخلاصة: يجب أن ننتظر العائدين من العمرة، وهم يشكلون عينة صغيرة لما سيحدث بعد موسم الحج، وسوف يكون استقبالهم بروفة مصغرة لما تقدر وزارة الصحة علي عمله. يجب أن يكون بروتوكول الحجر الصحي صارمًا.. يجب أن تكون التعليمات الصحية جزءًا ثابتًا من خطب الدعاة حتي يثبتوها في الأذهان، ولنأمل أن ينتهي هذا الكابوس، فلا يقول من يبقي منا حيًا بعد عام: ليت الحكومات كانت أكثر صرامة وتشددًا