كل طفل له مصطلحاته الخاصة التي يطلقها على الأشياء.. هذا شيء تعلمته كل أم. من الواضح أن لفظتي (ماما) و(بابا) سهلتان جدًا وأقرب إلى النغمات منها للحروف، لهذا ينطقهما كل طفل في العالم بالطريقة ذاتها.. لكن الأطفال يتباينون بينهم في الكلمات المختلفة.
مثلًا كانت هناك طفلة تطلق على جدتها (طانط سهير) اسم (سولو لي).. وهو اسم غريب صيني الطابع. وبما أن تأثير الأطفال كاسح وسلطتهم هائلة، فقد وجدت السيدة الوقور المسكينة أن عليها أن تمضي باقي حياتها وقد تحولت إلى (سولو لي).. كيف حال (سولو لي)؟ نحن ذاهبون لزيارة (سولو لي).. وقد لاحظت أن الأطفال يكتفون بحرف من الاسم (السين هنا) ثم يصنعون اسمًا آخر تمامًا، وهذا من أساليب لهجة (الكوكني) البريطانية الشهيرة.
عندما جاء ابني للحياة وتعلم الكلام كان أول ما حاول نطقه طبعًا هو (الشيكولاتة).. أطلق عليها اسمًا عجيبًا هو (كاتاكا).. لكن هذا الاسم صار اسم الشيكولاتة فعلًا بالنسبة لنا: أنا ذاهب لشراء (كاتاكا).. ليست عندنا (كاتاكا).. الـ(كاتاكا)باهظة الثمن.. الـ(كاتاكا) تتلف أسنانك.
أخته جاءت للوجود وكانت واضحة منذ البداية.. الشيكولاتة هي (كيباليبا).. لا يوجد لها اسم آخر يا حمقى. بما للأطفال من شخصية كاسحة وقفت في السوبر ماركت أسأل البائع:
«هل لديكم (كاتاكا) هنا؟»
فلما نظر لي في دهشة قلت بسرعة:
«آسف.. آسف.. كنت أتحدث عن الـ(كيباليبا)!»
ولم أفطن إلا بعد دقيقة إلى أنني استعمل مصطلحات الأطفال. طبعًا يضعون الشيكولاتة في (الأوكّا).. والأوكا هي أي أداة تعمل بالكهرباء ولها صوت عال.. ثلاجة.. غسالة.. مكنسة كهربائية.. أي شيء.. لكني بالطبع لم أطلب من بائع السوبر ماركت أن يبحث في الأوكا وإلا لما كنت معكم أكتب هذه الكلمات الآن.
أما اسمي (أحمد) فقد أجمع الطفلان على أنه (أمّحَة) بتشديد الميم. وقد انتشر هذا الاسم في الأسرة حتى أنني سمعت زوجتي تكلم صديقتها على الهاتف فتقول:
«طلبت من أمّحَة أن يسأل في المدرسة عن كذا...»
من المصطلحات العبقرية التي ابتكرها ابني في طفولته مصطلح (إيفت).. يقوله عندما نكلفه بشيء مزعج أو ليس في طاقته أو نطلب منه ألا يفقأ عين القط.. عندما تتأمل هذا المصطلح تكتشف أنه خليط من:
أف.. للتأفف
ييه.. للتأفف أيضًا لكن بالعامية
زفت.. لإبداء الاشمئزاز
وما زال يستعمل هذا المصطلح حتى اليوم. كما أنه يستعمل مصطلحًا بليغًا آخر من ابتكاره هو (بالغاظ عنه).. معنى العبارة (قصرًا) أو (بالإكراه). لكنك لو تأملت التعبير لوجدته خليطًا من معنى الغصب ومعنى الإغاظة والاستفزاز.
كلمتني زوجتي عن وجوب تصحيح نطق الأولاد لبعض الكلمات. لن يدخل الولد الكلية وهو لا يزال يقول (إيفت) فوافقت تمامًا.
كنت أتأمل مجموعة من صورهم في طفولتهم، حين كانوا مخلوقات ندية هشة.. تلك أيام لن تعود أبدًا.. شعرت بقلبي يعتصر وقلت لها:
«لا.. لقد غيرت رأيي.. لن أتحمل أن أفقد كلمات مثل (إيفت) و(بالغاظ عنه).. دعيهم يفقدون هذه المصطلحات في زحام الحياة لكن لا تأخذيها منهم من فضلك»
نعم.. لن أغير شيئًا، وبرغم أنهم لم يعودوا يسمونني (أمحة) فإنني سأقبل أن أمضي بقية حياتي بهذا الاسم، كما قبلت السيدة الباسلة (سولو لي) ذلك من قبل.