قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Monday, July 30, 2012

نقابة تَغْلِى



أعتقد أن كتابة مقال يومى أمر مستحيل وعذاب مقيم، لا يختلف كثيرًا عن الجَلْد بسياط مشتعلة فى قبو مظلم من أقبية المستنطقين. عندما بدأت «الدستور» الثانية عرض علىَّ العزيز إبراهيم عيسى أن أكتب مقالا يوميا من 500 كلمة، فاعتذرت بشدة، مفضلا أن أكتب مقالا أسبوعيا من ألف، على أساس أن تراكمات الأحداث والأفكار على مدى أسبوع سوف تجعل الكتابة أسهل. وهذا ما وجدته فعلا، غير أن الكتابة اليومية لها تأثير واضح.. إنها تشبه الضربات المتلاحقة بالمطرقة على صخرة لا تلبث أن تنهار. بينما لو تلقت ضربة كل أسبوع فلن يحدث لها شىء. هكذا يقدر كاتب المقال اليومى على بدء حملة صحفية فى أى لحظة يريد، ويستطيع أن يكون لَحوحًا عالى الصوت أو يسبب صداعًا لمن يلاحقه. هنا تأتى مشكلة المساحة، مثلا أريد هذا الأسبوع الكلام عن الإخوان ورئيس الوزراء الجديد وخطة الخلاص من الزبالة، والشرخ الذى حدث فى جبهة الليبراليين، إلخ.. لكن تنهال علىّ هذه الخطابات من أعضاء فى مجلس نقابة الأطباء فلا أجرؤ على تجاهلها، وبالتالى أفسح لها هذه المساحة اليوم. لست متحمسًا للمطالب الفئوية الآن على الأقل.. مثلا هناك ورقة وجدها أحد العباقرة تطلب فيها من الجامعة أن تعيد لك ضرائب معينة حصلتها بغير حق على مدى خمس سنوات ماضية، وقد هرع الجميع يقدمون هذه الورقة السحرية التى تتيح لك استرداد ستة آلاف جنيه. مزقت ورقتى ولم أقدم هذا الطلب، لأننى ببساطة لا أجد أن الدولة قادرة على تلبية هذا الاستنزاف الآن، وسياسة (ليأخذ من يستطيع لوح الخشب الذى يجده قبل غرق السفينة) هذه.. لماذا ظللت صامتًا كل هذه الأعوام ثم قررت أن تكون أسدًا لا يتخلى عن حقوقه، بينما الدولة تترنح؟ أعتقد أن هذه ليست مصادفة، وأن فى كل مصلحة حكومية محترفين يشعلون أوار هذه المطالب. هناك كذلك هواية جعل الأمور جحيمًا ومستحيلة بالنسبة إلى الرئيس -الذى لم أنتخبه- محمد مرسى، بينما العدل يقتضى فعلا أن نعطيه فرصة ليقف على قدميه.. فرصة واحدة.. أقول إن هذا رأيى، وهو بالطبع لا ينطبق على كل ما سيرد فى الجزء التالى. بعض المطالب مشروع ومهم فعلا

أولا، هناك نموذج خطير لما يحدث نتيجة عدم الدقة فى النشر.. الخبر الذى نُشر فى إحدى الصحف (الوطنية) المستقلة، مع صورة مثيرة جدا لسكين ملطخة بالدم، ويحكى عن مقتل طبيب فى «قصر العينى» بيد أهل مريض غاضبين حاولوا أن يأخذوا جثة قريبهم بالقوة. هذه القصص شائعة جدا ويومية أكثر مما تتصور أنت، ونحن لم ننكر أن الثورة أخرجت أفضل ما فينا وأسوأ ما فينا.. وضمن هذا الأسوأ ذلك الاستعداد غير المحدود للبلطجة. لكن أن تصل الأمور إلى القتل..! بدا هذا صادمًا فعلا. هذا دفع د.أحمد حسين عضو مجلس نقابة الأطباء، النشيط إلى دعوة المجلس للانعقاد، وأخبرنى بالأمر فأصابنى الذهول ووعدت بالكتابة عن الموضوع بمجرد التأكد من صحة الخبر.. وكان ضمن ما اقترحوه عمل إضراب عام فى مستشفيات مصر إلى أن تتوافر الحماية اللازمة للأطباء. لكنه بدأ جولة الحشد ففوجئ بأن هذا الخبر لا نصيب له من الصحة، وأن الجريدة (الوطنية) المحترمة لفَّقت الخبر بالكامل كما هى العادة هذه الأيام.. خبر كهذا يشعل قطاع الصحة كله كتبه السيد الصحفى على سبيل التسلية بدلا من العبث فى صوابع قدميه، ثم حذفه من موقع الجريدة عندما أدرك أنه خطأ. هكذا قدم طبيبنا الشاب بلاغا إلى النائب العام ضد الجريدة

كما رأينا، كان الخبر ملفَّقًا كعادة الصحف الآن، لكن هذا لا ينفى حقيقة أن الأطباء لا يملكون أى حماية ضد أهل المرضى من البلطجية، وقد تعلم المواطن مع الوقت أن يبدأ بالسباب والشجار وضرب الطبيب أولا، على سبيل إخراج العصبية الكامنة، قبل أن يبدأ المريض فى شرح شكواه

هناك أخبار عن اعتصام لأطباء مستشفيات سوهاج يوم الأربعاء 25/7/2012 أمام مكتب وكيل وزارة الصحة بمديرية سوهاج للمطالبة بصرف نوبتجيات المسائى، وإقالة مدير الطب العلاجى بمديرية الصحة بسوهاج الذى يقول البيان إنه يتعسف مع الأطباء. ويشارك فى الاعتصام نقيب أطباء سوهاج د/أحمد فوزى، ود/إبتسام ناصر عضو النقابة. لن نبتعد عن سوهاج عندما نقرأ بلاغا حول مستشفى الصدر ومستشفى الرمد بسوهاج الآيلين للسقوط. مستشفى الصدر بُنِى عام 1969، وبعد توالى التشققات بجدران وأعمدة المبنى وتساقُط أجزاء من سقف المبنى فى عام 2007 قامت لجنة من مركز الدراسات والاستشارات الهندسية بكلية الهندسة جامعة أسيوط بمعاينة المبنى ووضع تقرير هندسى عن حالته، ورأت اللجنة أنه من الأجدى إزالة المبنى وإنشاء مستشفى جديد يتناسب ومتطلبات العصر الحديث.. وأما عن مستشفى الرمد بسوهاج فقد قامت لجنة من الإدارة الهندسية التابعة لمديرية الشؤون الصحية بسوهاج بمعاينة المستشفى بتاريخ 4/3/2012 وحذرت من أن المبنى القديم مهدد بالانهيار، وأوصت بسرعة أعمال الترميم وتغيير جميع خطوط وأعمدة الصرف الصحى الموجودة بالمستشفى.. هناك صور مرفقة بالخطاب بدا لى كأنها من فيلم رعب.. ولكن للأسف لم تلْقَ تلك الكارثة صدى عند المسؤولين، وكأنهم اتخذوا قرار الموت للمرضى والعاملين حتى يرحموهم من الخدمة الصحية المُتردية فى مستشفيات الحكومة. هذا مطلب عادل خطر فعلا، وهو حادث ينتظر أن يقع.. سوف يتنصل الكل من المسؤولية بعد انهيار العقارين وسيزعم كل واحد أنه قام بواجبه كأفضل ما يكون

فى ما بعد قدم صديقنا أحمد حسين استقالة مسببة للنقابة، وكانت أسبابه -كما قال- اعتراضا على تجاهل الحكومة والرئيس محمد مرسى مطالب الصحة والأطباء، تلك المطالب التى نادت بها نقابة الأطباء وجميع الهيئات والمنظمات الحقوقية والتى تطالب بتحسين الخدمة الصحية، مما يتطلب معه رفع ميزانية «الصحة» من الموازنة العامة للدولة والتى لم تتغير بعد الثورة عن معدلها قبل، تلك المطالب التى تجاهلها نظام مبارك وتناساها نظام مرسى. يقول د.أحمد: «ويتقرر موعد الخميس 12/7/2012 لمتابعة الاستجابة، وفجأة ودون إبداء أى تفسير يتم إلغاء هذا الاجتماع، ثم يتم اعتذار 14 عضوًا عن الاستجابة لطلبى بعقد اجتماع يوم 19/7/2012، وما تفسير أن تدعو النقابة أعضاءها من الأطباء بمشاركة النقابات المهنية لوقفة أمام نقابة المهندسين لرفض الإعلان الدستورى المكمل؟! أليس من الأوْلى أن تكون تلك الدعوات للاحتجاج على عدم الاستجابة لمطالب الصحة والأطباء؟!»ـ

ثانيًا، ازدادت الأمور تعقيدًا مع شعور الأطباء بأن أوضاعهم متردية، وأنهم لا ينالون حقوقهم ولا يستطيعون تلبية نداء المريض، ويقول بيان لهم: «هناك مطالب يتجاهلها النظام بعد الثورة كمثيله قبل الثورة لتطابق نفس النظرة إلى القطاع الصحى، كونه قطاعًا مُستهلكًا لا مُنتجًا». لهذا قرر بعض الأطباء أن يدشنوا نقابة مستقلة للأطباء تضم كل طبيب حر يهمه صالح المهنة. «لتكون تلك النقابة جرس إنذار لكل مُغرض يجول فى خاطره أن يلعب على أوتار احتياجاتنا لتحقيق أغراضه الخاصة، وندعو كل طبيب حر للانضمام إلى تلك النقابة». بالطبع أحيِّى هذا الشباب المتحمس، لكنى أرى أن هذا وقت الاتحاد لا وقت الانشقاق والفُرقة.. قديمًا قرأت لطبيب مسيحى مقالا يبدى فيه ضيقه وحزنه، لأن نقابة الأطباء لم تهتم لحظة بمقتل د.بيرزى النحال، على يد متطرفين فى الصعيد، بينما هى تقضى الوقت فى جمع تبرعات لكوسوفو والبوسنة. قال إنه حزين، لكنه يرفض ما دعا له البعض من تكوين نقابة للأطباء المسيحيين لتُعْنَى بشؤونهم. تصوَّر لو حدث هذا! يجب أن نظل متماسكين بأى ثمن. على الأقل فى هذه الأيام