وما زالت الجلسة على المرشحة مستمرة برغم الهاموش آكل لحوم البشر. وما زلنا نناقش أشياء عديدة غير مترابطة، أو هى مترابطة لو أردنا جعلها كذلك
مصر: زلازل وانهيار أبنية وقتلى شرطة ومبان تنهار مع وعد بانهيار غيرها قريبا. حكومة قنديل تمر باختبار صعب أظهر فشلها بوضوح.. أظهر أنها دولة هيكلية تبدو كدولة لكن أى يد تمتد للستار تسقطه على الفور. بالطبع أحمل مبارك جزءا هائلا من المسؤولية، فالانهيار لم يأت فجأة كما يحلو للبعض أن يزعم. وقد لاحظنا أيام مبارك أن أى تتابع للحوادث يكشف على الفور عن خرافة الدولة المزعومة. الآن تتحمل حكومة قنديل المسؤولية وسط حصار نحس غير طبيعى. لم تعد الحكومة طفلة.. لقد كبرت وصارت عليها مسؤوليات جسام. انتهى شهر العسل وفترة (دعوهم يلتقطوا أنفاسهم) السابقة. من الواضح تماما أنهم وقعوا فى ذات المستنقع، وأن الأخطاء هى الأخطاء والأداء هو الأداء. يبدو أن الخلل فى طريقة التفكير ذاتها، والأمر يحتاج إلى خبراء وليس إلى هواة. الآن يمكن أن نقول هذا عادلين غير متعنتين، وقد كنت أرفض بشدة فكرة الهجوم على هذه الحكومة لمجرد أنها لا تروق للبعض منذ اليوم الأول. الآن يمكن القول إن أداءها صار واضحا... الاستقالة يا دكتور هشام.. أعط الفرصة لسواك كى يجرب اجتياز المستنقع فلربما هو أكفأ منك أو يجيد السباحة فعلا. لا أعرف ما سيفعله.. لكنى متأكد من أنك كذلك مثلى لا تعرف
سوريا: يرسل لى أصدقائى السوريون يحكون عن الأحوال هناك، ويخبروننى أن الوضع صار مأساويا فعلا. الطيران الحربى قصف كلية الآداب ودوار العمارة فى الجامعة.. والسكن الجامعى حيث يوجد نازحون. هناك أكثر من مدونة ترصد الفظائع هناك لكن المشكلة أنك قد تجد الموقع عاملا اليوم ثم يتوقف غدا
تخيلت الطيران الحربى يقصف كلية الآداب فى طنطا فارتجفت.. سوريا لا تستحق هذا.. لا يوجد بلد يستحق هذا. حتى لو كان مثقفون مثل هيكل يرون ما يحدث فى سوريا مؤامرة، فلا شك فى أن النظام السورى بلغ نقطة اللاعودة، ولا يمكن أن يبقى ساعة واحدة أخرى. ثأر الدم بينه وبين آلاف الأسر السورية لن ينتهى، ومن الواضح تماما أنه تورط فى المستنقع حتى صدره فلم يعد يجد سبيلا سوى التوغل أكثر على أمل أن يجد شطا.. أتمنى سماع طريقة تفكير الأسد وما يقوله له مستشاروه. هل يدرك فعلا أن البقاء مستحيل، وأن ثمن الدم باهظ جدا وأن الفرار هو المخرج الوحيد كى يحتفظ برأسه؟. فى زمننا هذا من الصعب أن يسود نظام قمعى يبيد الآلاف من شعبه ثم ينسى الناس الأمر ويعودوا لأعمالهم. هذا عالم ضاق بالدكتاتورية الصريحة التى عرفها القرن العشرون. أصيبت أم الأسد بانهيار عصبى وسافرت إلى دبى. أعتقد أن صورة جثة ابنها الممزقة بيد الجماهير الغاضبة لا تفارق خيالها. هذا ما سيحدث حتما لو ظل الرجل فى سوريا، لكن بعد كم من الوقت وكم من الضحايا؟. تذكرت فى حسرة كلمات الأديب الكبير يوسف زيدان فى ندوته بمعرض كتاب قطر، حيث قال ما معناه: «لا تتوقعوا صحوة أدبية فى سوريا عما قريب، فهناك جيل لم ير سوى الدم والموت.. نحتاج لفترة طويلة جدا حتى تزدهر نبتة الإبداع فى سوريا من جديد»ـ
سوريا تسير فى طريق العراق بخطوات مسرعة.. يجب أن ينتهى هذا الصراع هنا والآن، لأن نهايته حتمية على كل حال. وكما يقولون فى الهتاف الشهير: ارحل ارحل يا بشار
مأساة طبيب: الانفلات الأمنى والبلطجة فى المستشفيات تجاوزت كل حد، وهى سبب معظم الوقفات الاحتجاجية واعتصامات الأطباء. ليس منا من لم يسمع عن أقارب المريض الذين انهالوا صفعا على الطبيبة المقيمة كى ترى مريضهم.. أو هددوا الطبيب بالمسدس كى يلقى بمريض آخر فى الشارع ويضع مريضهم مكانه. هناك قريب المريض الذى وضع مسدسه على رأس الطبيب وأخبره أنه سيموت لو توفى قريبه. كما قلت تغيرت الشخصية المصرية جدا.. تلك اللمسة من تحدى أى قانون والزهو بالقوة والقبلية على طريقة الجاهلية نفسها. لماذا قتل المصرى التحضرالذى كان يميزه؟.. لماذا ألقى بالقلم واختار السنجة؟. عندما تتكلم عن إهمال الأطباء يجب أن تكون عادلا وتتكلم كذلك عن بلطجة أهالى المرضى، وعن تراخى الأمن المخجل. بعض الأطباء يحملون مسدسات اليوم وقد ظفروا باحترام الجميع وحقوقهم كاملة. من السويس يكتب لى صديقى الطبيب الشاب محمد باشا الذى أفسحت له موضعا هنا منذ عام تقريبا:ـ
ـ«صراع لقمة العيش مع صراع البقاء وسط الجو العدائى الموجود بالمستشفيات العامة التى نعمل بها يصيبنا بإحباط ويأس لا فكاك منهم.. لقد شاركت فى الثورة وشاركت فى إسعاف جرحى ورغم ذلك نحن أكثر من يواجه آفات الثورة ونحن من ندفع ثمن الانفلات الأمنى والأخلاقى، ولقد تعرضت أنا وزوجتى الطبيبة فى نفس المستشفى إلى اعتداء لفظى وبدنى من أقارب مريض اعتدوا لفظيا على زوجتى التى تعمل بقسم الأطفال وقد اضطرت زوجتى أن تأخذ اجازة بدون مرتب وتترك عملها من أجل الحفاظ على كرامتها...»ـ
ما الذى نفعله فى أنفسنا بلا توقف؟.. كتب د. محمد قصتين قصيرتين عن حال الأطباء. فى القصة الأولى يقتل أقارب المريضة الطبيب الشاب، ثم ينالون حكما بسيطا هو سنة مع وقف التنفيذ، وتنال أسرته الصغيرة خمسة آلاف جنيه.. فى نهاية القصة نكتشف أن الطب كله قد اندثر من مصر بعد خمسين عاما. القصة الثانية تحكى عن طبيب قرر أن ينتقم بطريقته من أقارب المرضى.. قرر أن يقتل المرضى!. قصتان قاسيتان مريرتان لكنها الحقيقة بلا مبالغة. يجب أن تعود البلطجة والقبلية إلى المجرور الذى كانت فيه، فلا يقولن أحد أن الثورة كشفت غطاء البالوعة كما كتب كثيرون
ربع مواطن: محمد صلاح راجح صديق، وسيناريست ومخرج شاب أصدر كتابه الجديد (ربع مواطن). لم أكتب عنه هنا للدعاية أو المجاملة، ولكن لأنه يناقش موضوعا مهما فعلا. يصف هو القصة بكلماته قائلا: «كاتب سيناريو تلقيه الظروف فى سجن برج العرب.. فيبدأ فى كتابة يومياته هناك كاشفا كل ما يحدث بالتفصيل داخل أسوار السجن وأيضا يكتب سيناريو من وحى واقعه المرير......... الكتاب يناقش ويطرح قضية مئات الآلاف من السجناء المصريين المحكوم عليهم بقانون ملغى دستوريا منذ العام 81». يتحدث السيناريست الشاب عن مأساة إيصالات الأمانة فيقول: «هل من العدل أن نزج وسط هذا الجحيم بأناس كان كل ذنبهم عدم توافر المال لشراء احتياجاتهم فى المعركة الدائمة مع الحياة، هناك من يقضى مدة عقوبة لثلاث سنوات لمجرد عجزه عن سداد قسط ثلاجة كان قد اشتراها لجهاز ابنته، بل إنه قد يموت داخل الجدران اللعينة، ولكم أن تعرفوا أن من يموت هناك يتم استدعاء أهله لاستلام الجثة وعليهم قبل البدء فى الإجراءات الحكومية المعقدة دفع عشرة جنيه مصرى ونصف ثمنا للبطانية الميرى الملفوف فيها جسد فقيدهم. الآن موعدنا مع المادة 341: «كل من اختلس أو استعمل أو بدد مبالغ أو أمتعة أو بضائع أو نقودا أو تذاكر أو كتابات أخرى مشتملة على تمسك أو مخالصة أو غير ذلك إضرارا بمالكيها أو أصحابها أو واضعى اليد عليها وكانت الأشياء المذكورة لم تسلم له إلا على وجه الوديعة أو الإجارة أو على سبيل عارية الاستعمال أو الرهن أو كانت سلمت له بصفة كونه وكيلا بأجره أو مجانا بقصد عرضها للبيع أو استعمالها فى أمر معين لمنفعة المالك لها أو غيره يحكم عليه بالحبس ويجوز أن يزداد عليه غرامة لا تتجاوز مائة جنيه مصرى». الصاعقة أن هذا القانون ملغى دستوريا..نعم ملغى دستوريا. قد سنت جمهورية مصر العربية المادة 341 عقوبات سنة 1937 واستمرت فى تطبيقها حتى الآن. الجمعية العامة للأمم المتحدة سنت العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذى تنص المادة 11 منه على: لا يجوز سجن أى إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزامه التعاقدى.. وتلك المادة قررت عدم جواز عقوبة الحبس كجزاء عن الإخلال بالالتزامات التعاقدية. يقدم محمد تبريرا قانونيا طويلا جدا يثبت عدم دستورية هذه المادة، لا أستطيع نشره كاملا ولا أملك الخبرة التى تتيح لى التعليق عليه، لكنى معجب باهتمامه بقضايا جادة كهذه وأرجو أن يتحول هذا العمل لفيلم سينمائى يذكرنا بأفلام أخرى جادة لشباب جادين