قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Thursday, January 17, 2013

الرواية - 5


تجري فوق الصخور بثوبها الأبيض.. تبدو كأنها يمامة بيضاء تهشّم جناحها
تنزلق قدمها فوق الحواف الحادة ويتناثر الزبد أكثر
لا تستطيع الركض بالحذاء ذي الرقبة فالأرض زلقة، لكن لو نزعت الحذاء لشطرت الصخور قدمها نصفين.. إن جو الفجر البارد الأزرق يغلف كل شيء، ومن بعيد ترى فنارا مضيئا.. ذلك الطابع الرهيب الموجس لأنوار الليل عندما تظلّ مضاءة مع زحف نور الصباح.. يبدو المشهد كله كأنه كابوس سوف تصحو منه في لحظة ما

كانت سامانتا تجري فوق الصخور بثوبها الأبيض ـ (رسوم: فواز) ـ

تعثّرت وسقطت على الصخور.. استطاعت أن ترى خيط الدم يجري من ساقها ليُبلّل الصخرة المغطّاة بالطحالب
لا يهم.. لا تكوني بلهاء هستيرية.. يجب أن تهربي يا فتاة.. لا بد أنه صحا من النوم.. لا بد أنه مسعور.. لا بد أنه يحمل السكين العملاقة ويبحث عنك
توماس مان صار ثرثارا.. شمعته ظلّت حية وكان هذا خطأ جسيما

ترى إلى أي اتجاه تمضي؟ فقط لو تشرق الشمس أخيرا بعدما غابت عدة قرون.. سوف يبدد نورها هذا الخوف، ولسبب ما كانت قد بدأت تعتقد بأن جيروم لا يعمل أي شيء في الشمس.. إنه كائن طيفي أقرب لمصاصي الدماء.. غالبا هذه هي الحقيقة.. لا بد أنه لا يستطيع عمل أي شيء إلا ليلا

تعثّرت من جديد
هناك فجوة بين الصخور تغطّيها شجيرة صغيرة.. حاولت أن تتماسك لكن قدمها انزلقت، وسرعان ما وجدت نفسها تتدحرج لأسفل.. الأغصان تتهشّم.. تحاول أن تمسك بأي شيء بلا جدوى

القاع عميق فعلا.. ها هي ذي ملقاة في القاع مهشّمة العظام ممزقة الأوصال تلهث، وتحاول أن تعرف ما حل بجسدها.. أقسمت لنفسها أنه مهما كان ما سيحدث؛ فهو خير من البقاء في البيت ومساعدة جيروم في تلك الرواية الرهيبة.. الرواية التي كتبتها الشياطين

إن كاحلها ملتوٍ.. لا بأس.. هذا أفظع شيء حدث.. لا مشكلة سوى أن عليها أن تظلّ هنا فترة طويلة فعلا.. ربما إلى أن يلقي فلاح أو صبي كشافة بنظرة إلى الفجوة

المكان مظلم بشدة.. لكن عينيها سوف تعتادان هذا
الحب قاسٍ جدا.. ويلقي بك في أماكن غريبة
قالت ماري منذ يومين (أهما يومان حقا؟):ـ
ـ "اعتزل العالم منذ فترة ويعتكف في بيته المطل على الساحل في "مول أوف كنتاير".. أراهنك على أنه موشك على الجنون.. هل رأيت فيلم "سطوع" لستانلي كوبريك عن قصة ستيفن كنج؟ الكاتب المنعزل بحثا عن إلهام بدأ يجن.. ولا نعرف أبدا إن كان قد جن أم إن هذا مس شيطاني"ـ
الآن تعرف الإجابة

***

جيروم راح يبحث كالمخابيل
راح يركض في المكان ويثب فوق الصخور.. ويركل كل شجيرة بقدمه.. لو رأى نفسه أمام عينيه لذبحه ذبحا.. كيف يسمح لنفسه بأن ينام في تجربة مهمة كهذه؟ والأسوأ أن الشموع انطفأت كلها.. لا بد أن الإرهاق والتوتر العصبي غلباه في النهاية

سامانتا فرت.. وبالتأكيد هي في طريقها إلى الشرطة.. معنى هذا أن كل شيء قد انتهى
لماذا وثق فيها وفك وثاقها؟ كان بوسعه أن يربطها.. يربط ساقها على الأقل

الآن لو أنك رأيت جيروم لتجمّد الدم في عروقك.. هذه النظرة المجنونة والعين المحمرة والفم المفتوح.. لقد صار شيطانا أو أقرب إلى شخصيات لافكرافت التي قضت حياتها في قراءة كتب السحر الأسود فجنت مع الوقت

توقّف فجأة إذ رأى شيئا
كان هناك منحدر وعر يقود إلى البحر.. الموج الثائر ينتثر.. وهناك بين الصخور يرى ذلك الحذاء الأبيض.. الحذاء ذا العنق

بدأ يشعر ببعض الراحة.. لا يمكن لمخلوق أن يجتاز هذه الصخور عاري القدمين، ومعنى وجود الحذاء هنا أن سامانتا لم تعد بيننا.. على الأرجح انزلقت قدمها وسقطت في البحر.. لا يمكن لمخلوق أيضا أن يسقط فوق هذه الصخور ويظلّ حيا، بالتأكيد فقدت وعيها ثم تكفّل الموج بباقي المهمة. حاول أن يتذكّرها رقيقة نضرة وتحبه.. حاول أن يتذكّر أنه كان يحبّها.. لا يدري السبب لكن هذا الجزء من روحه تلاشى تماما.. لا يعرف سوى أنها فتاة كانت ستقضي عليه

هناك أمل إذن
بدأ يهدأ نوعا واتجه إلى البيت وألقى نظرة أخيرة على المشهد.. ضوء النهار قد ملأ المكان لكن العاصفة لم تهدأ.. سوف يعود لداره ويواصل كتابة القصة، لكنه مرهق فعلا.. سوف ينام بقية اليوم ثم يواصل العمل ليلا

***

سامانتا في ذلك الوقت كانت في أسوأ حالاتها
جائعة.. تشعر بالبرد ويعتصرها الألم.. تحاول جاهدة أن تزحف للخارج لكن كاحلها يجعل أي حركة مستحيلة

عندما استطاعت أن تسترخي قليلا جلست مُتكوّرة جوار الجدار.. الجدار عبارة عن نوع من الطفلة أو صخر هش جدا لا تعرف اسمه
راحت تدقّ بقبضتها فتساقط الكثير من الغبار، ثم بدأت تدرك أنها في الحقيقة تزيح الغطاء عن أشياء كانت موجودة في هذه الفجوة

واصلت الدق.. لن أزعم أنها شجاعة إلى هذا الحد، لكنها كانت ترغب في أن تجد ممرّا يخرجها من هذا المكان
كانت تفكّر في الثعابين.. يزعمون في أيرلندا أنه لا توجد ثعابين؛ لأن القديس باتريك طردها كلها من البلاد، لكننا لسنا في أيرلندا.. ماذا لو تحرّر ثعبان من مكان ما؟
لكن ليس لديها الخيار.. يجب أن تواصل المحاولة

أخيرا بدأ الغبار يسقط.. وبدأت تصنع فجوة أخرى في جدار الفجوة.. كانت عيناها قد اعتادتا الظلام لذا رأت وجه المومياء الذي يحدق فيها، وأدركت أن هناك جثثا أخرى
هذه مقبرة إذن.. مقبرة منسية لا يعرف أحد أنها هنا

رأت سامانتا وجه المومياء الذي يحدق فيها ـ (رسوم: فواز) ـ

مرحبا بك يا سامانتا في مول أوف كنتاير حيث طريقة الاستمتاع بالوقت هي قضاء يوم مع الجثث المتحللة

.......

يُتبع