عن داعش، أستكمل خطاب صديقى السورى طه بالى استشارى الأمراض العصبية فى الولايات المتحدة:
«بالواقع، فإن فشل التحالف الدولى الذى يستخدم الطيران فقط فى محاربة داعش هو أمر ليس بالغريب. على مدى العقود الماضية، لم تنجح دول عظمى فى التغلب بسهولة، أو على الإطلاق، على ميليشيات مسلحة رغم توظيفها لقوات برية حتى. لاحظ تجارب الولايات المتحدة فى فيتنام وأفغانستان والعراق والاتحاد السوفيتى فى أفغانستان والشيشان.. إلخ. دون حل سياسى شامل فى كل من العراق وسوريا يوصل البلدين إلى مرحلة انتقالية ديموقراطية لن يمكن التغلب على داعش وتوابعها. فى الواقع، حضرتك تشير إلى ذلك فى مقالتك نفسها بشكل غير مباشر عند حديثك عن مصر، ولهذا أستغرب تلميحك لكون الموضوع مؤامرة أو مخططا شريرا، بينما أعتقد شخصيا أن المشكلة هى أولا وأخيرا مشكلتنا الخاصة فى كل من العراق وسوريا مع دور ثانوى يلعبه الغرب، إيجابا او سلبا. مشكلة داعش بالذات هى مشكلة معقدة، يختلط فيها القبلى مع السياسى مع الدينى مع الاقتصادى».
هكذا ترى أن رأى الصديق السورى ينفى نظرية المؤامرة تماما، ويرى أن هذه تداعيات بدأت بكرة الثلج المتمثلة فى احتلال العراق وتدمير جيشه القوى. ربما كانت الإجابة الصحيحة فى رأيى خليطا من الرأيين، فأنت تجد المخابرات الأمريكية دائما فى كل سيناريو تطرف دينى، منذ أيام القاعدة.
ما يقلقنى فعلا هو أن عدد من يرون أن (داعش) منظمة إرهابية أو سفاحون ليس بهذه الكثرة. وفى أكثر من موقف وجدت شبابا يقولون إنها الفهم السليم -وربما الوحيد- للإسلام، وقد كتبت عن هذا مقالا قديما يستلهم رواية دراكيولا. فان هلسنج يحتمى مع الفتاة مينا بدائرة من الماء المقدس تحميه من المسوخ، لكنه يكتشف ببطء أن مينا تتحول هى نفسها إلى مصاص دماء وهى معه داخل الدائرة. سوف يأتى يوم تجد فيه أن سكان البناية التى تقيم فيها صاروا داعشيين. إنه الافتقار للعدل.. إنه القهر.. إنه الصراع السنى الشيعى الذى طال قرونا والذى لا يكف عن استنزاف العالم العربى وإرهاقه وتفتيته، هذا الصراع يجعل عددا من الشباب يتحمسون لداعش باعتبارها سوف تبيد الشيعة. دعك من الحلم العربى المحبط والحفرة التى يتخبط فيها العرب منذ انحسار الدولة الإسلامية وهزيمتها. ظهرت داعش إعلاميا كعمالقة يمشون بالسرعة البطيئة -وكأنها لقطة فى فيلم أكشن أمريكى- ليفرضوا إرادتهم. هذا كيان ملثم مجهول يبدو كل أفراده نفس الشىء، وقد ذابت فرديتهم.. هذا الكيان يقهر الغربيين ويجعلهم يركعون أمام الكاميرا ويتوسلون ثم يذبحون.. كيان يسبى ويوزع الأسيرات ضمن الغنائم.. هذا كيان يقيم دولة الخلافة ويتحدى الحكومات العربية والغربية. أصدرت داعش جواز سفر لا يعترف به العالم، كتبت عليه: «حامل هذا الجواز تسير له الجيوش لو مسه ضرر» كما نشرت جريدة الوطن فى 6 يوليو 2014. صحيح أنها دولة خلافة لا تنتج سلاحها ولا طعامها ولا الكاميرات التى تصور بها المذابح، ولا الإنترنت التى تنقلها بها للعالم، ولا تعرف كيف ستسير جيوشها دون موافقة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى، لكنها دولة خلافة وكفى. هذه الكلمات الساذجة تعجب الحالمين جدا، وداعش تعرف استحالة هذا الوعد وتعرف جاذبيته كذلك.
لابد أن هذا الكيان يمثل الحلم لشباب كثيرين، وكلما تكلمت عن مذابح داعش واستهتارها بالحياة البشرية لدرجة التلذذ بإبادتها قيل لك إن حصار العراق قتل مليون عراقى، وإن الأسد فتك بآلاف السوريين... العلم الأسود الذى يلوحون به هو فى الحقيقة لون الحقد الحبيس فى قلوبهم.
لا شك أن العنف والوحشية يتزايدان فى النفوس مؤخرا، وأشعر أن الناس لديها شوق عارم كى نصير مثل سوريا والعراق، برغم أنهم لا يكفون عن ترديد: «مش أحسن ما نبقى زى سوريا والعراق».
للحديث بقية نتكلم فيها عن داعش من وجهة النظر الغربية