أرسل لى د. طه بالى مقالا كتبه ياسين الحاج صالح، وهو مفكر سورى مهم. شقيقه خالد الحاج هو الذى أطلق اسم داعش على تنظيم الدولة. المقال رائع لكنه صعب ومتقعر وليست الصحف مكانه، لذا آثرت أن أنقل لك ملخصا لمقالين آخرين..
المقال الأول يتكلم عن اقتصاديات التنظيم، فلا يجب أن ننسى أن التحالف ينفق عشرة ملايين دولار يوميا فى حربه الخائبة على داعش، بينما يكسب التنظيم نفس المبلغ يوميا من بيع البترول والآثار. التنظيم سيطر على كل المحافظات السنية العراقية تقريبا وامتدت سيطرته إلى محافظتين فى شرق سوريا، بينما جاء 300 خبير أمريكى إلى بغداد لدراسة الموقف لمعرفة ما تستطيع أمريكا عمله. ويعكف خبراء معهد راند على دراسة عدد هائل من الوثائق المتعلقة باقتصاديات التنظيم، ولربما تصدر فى كتاب هذا العام.
هناك مبلغ 420 مليون دولار حصلت عليه داعش من مصارف الموصل المدينة العراقية الكبرى. إن الموصل هى الدعامة الاقتصادية الأهم لداعش. قال نورى المالكى إن السعودية ودول الخليج مولت داعش.. لكن الوثائق تقول إنها لم تسهم سوى بأقل من 5% من نفقات الجماعة فى الفترة من 2005 حتى 2010. طبعا وقتها كانت (داع) فقط.. هناك كذلك نسبة مئوية تسددها المحافظات لقيادة التنظيم، وهى تنفقها على العمليات المختلفة وتعويض أسر القتلى. وقد لاحظ الخبراء أن دفع مبلغ مالى لأى قطاع من المقاتلين يؤدى لتزايد العمليات الحربية فى هذا القطاع لمدة ثلاثة أسابيع على الأقل. قيل إن الجنود العراقيين يفرون لداعش لأن الرواتب أعلى، وهم لا يضمنون راتبهم وسط اقتصاد عراقى منهار. والحقيقة التى اكتشفها الخبراء هى أن راتب الجندى فى داعش 41 دولارا فى الشهر بينما دخل العامل اليدوى فى بغداد 150 دولارا شهريا. وهذا معناه أن العوامل العقائدية تلعب الدور الأكبر لدى الجنود. واضح أن الرواتب منخفضة عمدا لضمان أن من يتطوعون هم مؤمنون بداعش فعلا. هناك لدى راند حشد من المكاتبات الإدارية والرسائل الشخصية الخاصة بالتنظيم. ويبدو أن داعش مولعة بتسجيل كل شيء بدقة إلى درجة الوسواس، باستعمال السبريد شيت فى برنامج إكسل، لكن الوثائق لدى مؤسسة راند تنتهى عام 2010.
عامة نحن نتكلم عن مليارى دولار مع داعش، وهذا يجعلها أغنى تنظيم إرهابى فى العالم وفى التاريخ. لكن فكرة أنه مدعوم من الخليج بعد عام 2010 هو نوع من البارانويا كما قال الخبراء.
من الواضح تماما أن تنظيم داعش سوف يزحف أكثر ولربما يتوغل إلى دول الخليج نفسها، ويبتلع العالم العربى. وهو نموذج آخر لصنع مسخ فرانكشتاين الذى يلتهم صاحبه.. سنوات من تربية التطرف ومقت الآخر، وسنوات من فقدان العدل والقمع، وسنوات من القهر من الداخل والخارج، ثم احتلال العراق الذى دمر الشرق الأوسط كله، وسبب فوضى لا نعرف متى تتوقف. سوف تنقشع الفوضى عن وضع جديد كما قالت كوندوليزا رايس عن الفوضى الخلاقة، لكن ما هو هذا الوضع الجديد؟ هل هو عودة العالم العربى كله للعصور الوسطى؟. هل سنخوض حرب التنوير من جديد، ويحرق جيوردانو برونو ويحاكم جاليليو؟ يقول صديق لى: «لازم ندفع فاتورة التنوير... التنوير لا يستورد جاهزا كالبن والكيوى. لازم (تخرب) عشان تعمر وهى فى طريقها للخراب كما تدل على ذلك كل الشواهد. لكن السؤال هو: ألم يكن من الممكن -لو كنا أقل نحسا مما نحن- أن لا يحدث هذا فى زماننا؟»
موعدنا مع مقال آخر عن داعش فى الأسبوع القادم إن شاء الله