عندما كان ابناي صغيري السن، كانت هناك قناة مختصة بعرض أفلام الرعب، وهي من تلك القنوات التي ما أنزل الله بها من سلطان. صورة خشنة رديئة وأفلام مسروقة وشريط إعلانات لا يتوقف طيلة العرض، وهي إعلانات عن كريم بيض النمل (لا أمزح) ومنع الحسد والعفاريت، وأرض للبيع في ميدان التحرير سعر المتر عشرة جنيهات، واشتر مروحة صينية لا تعيش أكثر من خمس دقائق، ولسوف نعطيك ست مراوح أخرى هدية .. إلخ ..
هنا ظهرت تلك الإعلانات الغريبة عن مناديل إطالة الوقت. وقد سألني الصغيران عن معنى هذا ولم أكن أعرف، لكن افترضت أنها (حاجة أبيحة)، وكان حماسهما شديدًا.. هذه لعبة مسلية بالتأكيد.. يكون موعد حلول الظلام بعد نصف ساعة فتجعله هذه المناديل بعد ثلاث ساعات، ويكون باقيًا على الامتحان ساعة فتصير ساعتين بفضل هذا الاختراع العبقري.
كان علي أن أتلقى السؤال عن هذه المناديل مرة على الأقل يوميًا، ثم فهمت القصة. الحلم الدائم لدى الرجال بالوصول إلى خصوبة الساتير الأسطوري في الأساطير الإغريقية، أو الإله الفرعوني مين. هذا حلم يشبه حلم المحرك ذاتي الحركة. مناديل تطيل فترة الانتصاب الذكري كما زعم أصحابها. هم قالوا إنها تؤدي عمل الفياجرا لكن بشكل أرخص سعرًا. منديل معطر بمادة منشطة جنسيًا Aphrodisiac ويباع عن طريق تجار الشنطة الصينيين، بسعر ثلاثة جنيهات للمنديل. بالطبع لا توجد تجارب علمية ولا طب مستند إلى الدليل ولا أي شيء..
كل هذا جميل. لكن من الوغد الذي فكر في الإعلان عن هذا المنتج في التلفزيون ليتساءل كل الأطفال عن المنتج الذي يقدمه؟ في مراهقتي كان أكثر الإعلانات جرأة يصور فتاة تمشي على الشاطئ شاعرة بالراحة والسعادة. لماذا؟ لأنها تستعمل فوط (ستاي فري) الصحية. وقد أحدث الإعلان موجة من الغضب والذهول في الإعلام، أما نحن فاستغرقنا وقتًا أكثر من اللازم حتى نفهم معنى الفوط الصحية، وأنها نوع من البامبرز الذي تضعه النساء شهريًا. وقد عرفت أن معظم الأمهات يتخلصن اليوم من مأزق مناديل إطالة الوقت هذه، بأن يقلن لأولادهن إن هذه المناديل نوع من الأولويز الرجالي!. أطفال اليوم يعرفون الأولويز جيدًا إذن..
بعد هذا وجدت على الإنترنت إعلانًا يدعو الزوجة لأن تفاجئ زوجها بأن يستعيد ذكرى الليلة الأولى. يا سلام!.. رومانسية شديدة!.. هل ستشغل له نفس الأغنية التي كانا يسمعانها، أم تتضمخ بنفس العطر الباريسي؟ ربما تضع على الوسادة نفس نوع الأزهار الذي كانت تحمله في حفل الزفاف..
فجأة تكتشف أننا نتكلم عن غشاء بكارة صيني بلا تزويق!.. كتبت عن هذا مقالاً من قبل.. ويستمر الإعلان: "هل فقدت غشاء البكارة بسبب حادث أو عن طريق الخطأ؟ استعيدي عذريتك، بدون عملية جراحية و خلال دقائق استعيدي ذكريات ليلة الدخلة، و عيشي أجمل اللحظات مع شريك حياتك مع منتج غشاء البكارة الصناعي (بنت البنوت) تعود لك عذريتك خلال دقائق"
استعادة ذكريات إيه (يا روح أمك)؟ الأمر ببساطة هو دعوة لأن تخدع الفتاة عريسها الأبله. ثم يقول: "يمتاز منتج (بنت البنوت) بسهولة التركيب ولا يحتاج لمساعدة طبية أو مراجعة عيادة نسائية.. ملاحظة: عند الجماع و تمزق الغشاء الصناعي فإنك لا تشعرين بالألم كما حدث معك بليلتك الأولى، لذلك فإن كل ما عليك فعله هو التظاهر ببعض الألم و الخجل ليشعر زوجك و كأنها ليلتكم الأولى"
يعني لابد من بعض التمثيل يا سيدتي .. تظاهري بالخجل والألم لتخدعي كيس الجوافة..
يعد الإعلان السيدة بالسرية التامة عند شحن الغشاء المزيف. "و يكون المنتج ضمن طرد مغلق و مغلف بإحكام دون ذكر المحتوى و يكتب عليه مستحضرات تجميل". سياسة شركات البورنو في الخارج عندما ترسل أفلامها أو مجلاتها لك .. قصدي للبعيد.
ضحكت كثيرًا إذ تخيلت طردًا يصل للفتاة، ومندوب الشركة يصيح في بئر السلم: "أيوه .. الآنسة فتكات الشماشرجي .. واحد غشاء بكارة صيني" . ثم لا يجدها فيسلم الطرد لجارتها أم سماح.
إعلان وقح وقح .. وقد خلقت كلمة (أباحة) لهذه المواقف. أبيح. لفظة قوية مشينة في حد ذاتها، ولها تأثير نفسي يختلف تمامًا عن (قبيح) أو (إباحي). ثم أن الإعلان يدعو للخداع والنفاق بلا تحفظ، وهو مفهوم متخلف تمامًا.. طبعًا لا يعرف الناس أن سلامة الغشاء ليست دليلاً على العذرية، وعدم وجوده ليس دليلاً على الانحراف. أي طبيب أمراض نساء سوف يحدثك عن أغشية بكارة لا تتمزق، وأخرى لا تنزف مع أن الفتاة لم يمسسها بشر. طريقة التفكير باعتبار الفتاة علبة صلصة. لو وجدت الغطاء غير محكم الغلق فلتعدها للبائع. الصين يا سادة جعلت من الممكن غلق علبة الصلصة بإحكام ثانية ولن تعرف الفرق أبدًا ما لم تكن استشاري أمراض نساء أو طبيبًا شرعيًا. هذا الإعلان يلقي ظلال الشك على كل فتاة بلا استثناء سواء كانت جارة أم ابنة أم أختًا أم زميلة عمل.
مستوى الأخلاق ينحدر بلا شك، وسقف ما كان مسموحًا به يرتفع. في طفولتي كان من الصعب أن تذكر كلمة (زواج) في بيتنا، وكان أبي يوشك على فقدان وعيه إذا سمع لفظة (نيلة) كما أنه اتهمني بأنني ولد رقيع قليل الأدب عندما ذكرت لفظة (سَكّة) بفتح السين، وهذا بالطبع نوع من التزيد الهستيري غير المطلوب، لكنه يعطيك فكرة عن صدمتي وأنا أرى ما يحدث.
الفيس بوك لعنة في حد ذاتها، ويطلق عنان البذاءة بلا رقيب، ويكفي أن تقرأ ردود رواد المواقع على بعضهم، بالذات لدى وجود خلاف سياسي. مؤخرًا وجدت حوارًا (سياسيًا) بين شاب مثقف أحترمه وأثق برجاحة عقله، مع مجموعة من خصومه. وجدت كمية شتائم وابتذال لا يمكن وصفهما، لدرجة أن الشاب المثقف سقط من نظري تمامًا وكففت عن مراسلته أو الرد على مكالماته. لقد مشيت في جنازته بشكل مجازي. قال لي العارفون إن هذه موضة شبابية من سمات الروشنة: أن تظهر أنك ولد بذيء جدًا وصايع لا يتورع عن شيء. تدخل على النت لصفحات فتيات محترمات ، فتذهل إذ تكتشف أنهن يستعملن شتائم أقلها (ابن الوسخة) وa7a .. وسوف تكتشف أنهن يتكلمن عن أعضاء الأمهات الجنسية ببساطة تامة. والغريب أنهن بنات ناس محترمات ولسن عاهرات. تهرب إلى يوتيوب، فتجد هناك أغنية شبابية تقول كلماتها العبقرية: "كل ماجي أشبّط.. الباب يخبط.. كل ماجي أزقّ.. الباب يدق!"
هذا لم يعد زمني كما هو واضح، وقواعد اللعبة تغيرت.. وككل من سبقوني أردد نفس العبارة: ربنا يطلعنا منها على خير.