[http://www.politico.com/magazine/story/2014/06/al-qaeda-iraq-syria-108214.html] |
نستكمل المقال الشهير بالغ الأهمية لـ (رانيا أبو زيد)، والذى أفادنى كثيرا. كما قلنا: سيطرت داعش على الرقة ورفعت العلم الأسود، لكن التنظيم لم يتعرض لغارات النظام السورى العنيفة التى تهاجم باقى أجزاء سوريا، مما دعا المعارضة السورية إلى اتهام داعش بأنها صنيعة النظام. لا يوجد شيء يدعم هذه الفرضية، لكن (داعش) جعلت نظام الأسد يبدو –كما يزعم عن نفسه بالفعل– نظاما متمدينا يواجه قوى متطرفة وحشية، وحتى جبهة النصرة بدت رقيقة جدا بالمقارنة بداعش، وكما قال أحد القادة للصحفية: «داعش متوحشة، وتتصرف كمنشار يقطع من الناحيتين.. بينما النصرة أقرب للتعقل». وفى 3 يناير 2014 أعلنت القاعدة أن داعش لا تمثلها وتتصرف وحدها، وقالت داعش إن القاعدة فى عصر الظواهرى صارت أضعف وأقل التزاما من القاعدة فى عصر ابن لادن.
قابلتْ رانيا مقاتلين من الشيشان والتونسيين والليبيين، وعرفت مجندا أمريكيا يدربهم على تكتيكات الجيش الأمريكى لكنه رفض لقاءها، كما قابلت الكثيرين من عرب إسرائيل. يمكنك أن ترى المجاهدين قادمين من اسطنبول إلى محافظة (هاتاي) قرب حدود سوريا.. كلهم ملتحون يلبسون سراويل قصيرة فوق الكاحل، وكلهم متعصب عنيد يستحيل إقناعه بشيء. قابلت الصحفية النشيطة واحدا من أهم قادة النصرة فى إدلب، واسمه أبو راتب، وقد وافق على أن يتكلم معها بعد موافقة الأمير. وهناك قضت الليل مع زوجته وأولاده وأمه، وحكت لها الزوجة عن فظائع داعش، وعن زوج مصرى فى داعش قتل زوجته الطبيبة لأنه اعتبرها مرتدة، وعن امرأة تزوجها سبع رجال فى ليلة واحدة.
رحلت الصحفية فى اليوم التالى، لتعرف أنه بعد يوم واحد جاءت مجموعة من الرجال المسلحين (بعضهم تونسى وبعضهم مغربي) ليمطروا الأسرة بالكلاشنكوف فيقتلوا زوجة أبى راتب الشابة وابنته الكبرى وأبا راتب نفسه. اتهمت النصرة (داعش) بهذه المذبحة، لكن الأخيرة أنكرت مسؤوليتها. إن النصرة وداعش تفتكان ببعضهما البعض بطريقة لا تحلم بها قوات مكافحة الإرهاب فى العالم كله. اليوم تسيطر داعش على مساحة كبيرة من شرق سوريا وهى متوغلة بعمق فى الرقة، بينما ظلت النصرة تحت قيادة الجولانى وهى تحارب داعش علانية، وتحول الصراع إلى حرب أهلية داخل حرب أهلية، وهذه أروع أحلام الأسد.
من المثير للسخرية أن تنظيمات القاعدة وداعش والنصرة –برغم هذا الصراع الدموي– كلها تسعى للدولة الإسلامية وإعادة الخلافة التى أطاح بها أتاتورك عام 1924، وقد أزالت الحدود بين العراق وسوريا. بعد احتلال الموصل استطاعت داعش أن تحصل على مبالغ ضخمة تصل لنصف مليار وأسلحة أمريكية منها الهليوكوبتر. تخيل أن هذه المجموعة المتطرفة صارت تملك طائرات بلاك هوك فعلا. هناك عدد من عسكريى صدام السابقين يتعاونون مع داعش، لكن الكاتبة لا تتوقع استمرار هذا التعاون لأن داعش لا تستطيع مشاركة أحد. كما أنها لا تفهم أساليب نيل الدعم الشعبى، على عكس جبهة النصرة. هل تستطيع النصرة وباقى التنظيمات أن تتوحد وتطيح بداعش؟ هل تتدخل القاعدة؟ وهل ما زالت تملك القدرة على ذلك؟ ما دور أوباما؟ ومن الثائرون السوريون الذين يجب دعمهم بالسلاح؟ لقد صارت لداعش فروع فى لبنان وغيرها. وكما قال لها أحد أمراء النصرة فى إدلب: «هناك عدة مستعمرات فاروق للتدريب فى سوريا.. كان هناك معسكر فاروق واحد فى أفغانستان تخرج فيه منفذو هجمات 11 سبتمبر.. فأى أذى للعالم يمكن أن تحدثه عدة معسكرات؟»
الحقيقة أن الوضع مقلق وكارثى، لأن الناس تحمل بذور داعش فى أعماقها. ذات مرة انتقدت هجمات سبتمبر، فعلق قارئ غاضب قائلا: «أنتم فاكرين الجنة ببلاش؟ الناس دى سابت حياتها وعاشت فى الكهوف عشان تجاهد.. يا ريت نبقى زيهم!»، كأن الجنة لا تأتى إلا بتفجير بناية مدنية وتدمير طائرات تقل أبرياء، ومحطات مترو ومتاحف. هذا هو ثمن الجنة إذن.. هناك الكثير من التعصب وضيق الأفق والفهم الدموى للدين من جهة، ومن الجهة الأخرى هناك الكثير من الظلم والدكتاتورية والقمع.. النجاة بأنفسنا وأهلنا من هذا الجحيم يحتاج إلى معجزة