التحرير - 12 ديسمبر 2015
بالتأكيد هناك فنانو كاريكاتور شباب موهوبون في مصر حاليًا. هذا مجال نادر تقدمنا فيه أو على الأقل احتفظنا بمكانتنا. من الواجب أن يتكلم المرء المنصف عن مخلوف ودعاء العدل وقنديل وسواهم. هم كذلك مثقفون جدًا، ولقد قرأت مقالًا مهمًا لقنديل عن اللباد في مجلة عالم الكتب (92 و93)، فانبهرت به ككاتب له أسلوب فصيح محكم (برغم موقف متحفظ سابق شعرته تجاه إصراره على أن يوقع اسمه بآنديل)، لكني هنا أتكلم بشكل خاص عن صديق عزيز أعرفه جيدًا هو فنان الكاريكاتور أشرف حمدي.
بالتأكيد هناك فنانو كاريكاتور شباب موهوبون في مصر حاليًا. هذا مجال نادر تقدمنا فيه أو على الأقل احتفظنا بمكانتنا. من الواجب أن يتكلم المرء المنصف عن مخلوف ودعاء العدل وقنديل وسواهم. هم كذلك مثقفون جدًا، ولقد قرأت مقالًا مهمًا لقنديل عن اللباد في مجلة عالم الكتب (92 و93)، فانبهرت به ككاتب له أسلوب فصيح محكم (برغم موقف متحفظ سابق شعرته تجاه إصراره على أن يوقع اسمه بآنديل)، لكني هنا أتكلم بشكل خاص عن صديق عزيز أعرفه جيدًا هو فنان الكاريكاتور أشرف حمدي.
عرفت أشرف منذ أعوام ضمن ثلاثي الأطباء الفنانين ميشيل حنا وشريف عرفة وأشرف حمدي الذين أحمل لهم كل تقدير وحب، والأول أديب موهوب طبعًا، بينما الاثنان الآخران يمارسان عدة أشياء منها التنمية البشرية والكاريكاتور وليس الطب من بينها على كل حال.
عرفت منذ البداية أن هذا الشاب قصير القامة الذي يطيل لحيته وشعر رأسه ويدخن بشراهة هو كتلة من الأعصاب المرهفة. ينفجر بسهولة جدًا إذا غضب أو شعر بسعادة أو انتابه الحزن. كما أنه يعاني مشكلة شديدة في السيطرة على لسانه – أو فرشاته – فهو لم يمتلك قط موهبة مداراة العواطف التي اكتسبناها نحن. لهذا دخل في معارك مع الجميع سواء من خلال رسومه أو صفحته على الفيس بوك أو قطع التحريك القصيرة التي ينشرها على يوتيوب.
عرفت منذ البداية أن هذا الشاب قصير القامة الذي يطيل لحيته وشعر رأسه ويدخن بشراهة هو كتلة من الأعصاب المرهفة. ينفجر بسهولة جدًا إذا غضب أو شعر بسعادة أو انتابه الحزن. كما أنه يعاني مشكلة شديدة في السيطرة على لسانه – أو فرشاته – فهو لم يمتلك قط موهبة مداراة العواطف التي اكتسبناها نحن. لهذا دخل في معارك مع الجميع سواء من خلال رسومه أو صفحته على الفيس بوك أو قطع التحريك القصيرة التي ينشرها على يوتيوب.
يمكن أن أعرض عليك حشدًا من رسومه الصادمة، لأنني أحتفظ بـ 130 لوحة كاريكاتورية له، لكني أقدم لك بعضها هنا لتعرف عمن أتكلم. بالتأكيد تعرف أسلوب الرسم جيدًا. لا ترفع عليّ قضية يا أشرف من فضلك فأنا أقر هنا أن هذه لوحاتك:
يمكن أن أستمر في عرض لوحاته للأبد، لكن يجب أن يتوقف المرء عند حد ما.
وكان أشرف كذلك حريصًا على أن يطور أدواته الفنية لذا درس فن (الستوري بورد) وعددًا كبيرًا من برامج التحريك وتغيير الصوت.
تعاونت معه لفترة في موقع بص وطل لتقديم الستريبس أو الشرائط المصورة ورأيت كيف يدقق كثيرًا قبل التنفيذ.. هذا مثلاً تخطيط مسبق لقصة ستريبس قمت بكتابتها ونفذها هو:
هذه الصورة تظهر أشرف مع الفنان العبقري جورج البهجوري ومن الواضح أنهما يجلسان مع الشيشة في مكان شعبي جدًا. لاحظ نظرة الانبهار والفخر في عينيه.
سُرقت رسوم أشرف حمدي في كل مكان، وكان الناس يتبادلون الرسوم دون أن يعرفوا أن لها صاحبًا، لكن شهرته صارت كاسحة مع الكليبات المتحركة التي صممها على موقع خرابيش.. ثم موقع إيجبتون الشهيرين على اليوتيوب. يقوم بالرسم والإخراج والأداء الصوتي غالبًا (يمكنك أن تسمع الراء اللدغاء المميزة له مهما استخدم من تقنيات لتغيير الصوت). دعاني للمشاركة في هذا الموقع فكتبت له مشهدًا قصيرًا ساخرًا من ثلاثين ثانية.. المشكلة أنه ظل يعلن عنه لمدة شهر قبلها، وصنع برومو طوله خمس دقائق للإعلان عن مشهد طوله نصف دقيقة، والنتيجة هي ثلاث صفحات من الشتائم انهالت فوق رأسي، لأن الناس حسبوا أنهم بصدد رؤية (كوفاديس) أو على الأقل (الملك الأسد). قال لي يومها معتذرًا: "اقتلني بضمير مستريح!".
بصرف النظر عن هذا، كان نجاح الموقع ساحقًا لدرجة أن باسم يوسف – قبل أن يعدموه إعلاميًا – استضافه ليتكلم عن موقعه في إحدى حلقات برنامجه القديم الذي سبق (البرنامج). وكانت حلقة عجيبة جدًا مصممة بعناية تداخلت فيها شخصيات أشرف المتحركة مع باسم يوسف. شاهد الحلقة هنا:
أشرف حمدي عصبي جدًا ولا يمكن أن ترغمه على شيء.. لهذا استقال تقريبًا من كل مكان عمل فيه. يحكي لي في أحد خطاباته مشكلة كبيرة تواجه رسام الكاريكاتور. هناك الرقابة السياسية طبعًا التي تجعل رئيس التحرير يرفض النشر لكل شيء، ولكن هناك مشكلة أخرى هي ألا يفهم القائم على النشر الكاريكاتور!
يقول في خطاب شخصي لي:
"القائم علي النشر سواء أكان رئيس تحرير أو مشرفًا فنيًا أو مسئول صفحة إنترنت يعتبر نفسه هو القراء، إذا لم يفهم الكاريكاتير فهذا لا يدل على إنه مش بيفهم لا سمح الله ولكن لابد وأن الرسام هو من يرسم أشياء سخيفة غير مفهومة....... عموما لقد اعتدت ذلك كثيرا جدًا وأصبحت أتقبل الأمر بكل بساطة، إذا لم تفهم الكاريكاتير هناك من سيفهمه، ببساطة لأنني لم آت من كوكب آخر، ولا يوجد حتى الآن ما يمكن أن نطلق عليه مدرسة الكاريكاتير السيريالي أو التجريدي كي أنتمى اليها.
ربما لأن كلمة كاريكاتير مرتبطة دائما بصورة اتنين محششين يروى أحدهما نكتة للآخر لذا يصبح أي كاريكاتير تعبيري بدون تعليق شيئًا غير مفهوم وسخيف.
هنا أذكر حادثة طريفة لي مع جريدة (...).. بذلت أقصى ما لدي لتقديم أفكار ورسوم جيدة وفوجئت برفضها جميعا، ولأنني لا أستسلم بسهولة عاودت الرسم مرة واثنين وثلاثة دون جدوى، فقررت الانتقام والسخرية من القائمين علي هذا الملحق فرسمت اثنين مساطيل يقول أحدهما للآخر: محمود العجلاتي طلق مراته لسوء السير والسلوك.
وبالطبع هي نكتة سخيفة كنت قد سمعتها علي المقهى المجاور لبيتي. وتصورت أنني بهذا الكاريكاتير أسخر من الملحق ومما يقدم به من سخافات لا علاقة لها بفن الكاريكاتير من قريب أو بعيد، واعتقدت أن رسالتي وصلت ولكن للأسف. صدق أو لا تصدق. فوجئت بالكاريكاتير منشورًا وبمسئول النشر يهنئني قائلا: أيوه كده برافو عليك، عايزك ترسم من ده كتير!! فتركت الملحق نهائيًا"
لا يمكن تقييد أشرف حمدي.. في لحظة من اللحظات كان التعامل مع شركة معينة هو مصدر رزقه الوحيد، لكنه شعر أن صاحب الشركة – وهو غير مصري – يضغط على كرامته فكتب هذا الخطاب الناري الذي يذكرنا بقصيدة: "بأي مشيئة عمرو بن هند .... تطيع بنا الوشاة وتزدرينا". قمت بحذف ما هو شخصي جدًا في الخطاب:
"مرحبا
إلى المسئولين عن إدارة (...)
أرجو قبول استقالتي من منصبي بشركة (...) وذلك نظرا للأسباب التالية:
- عدم التزامكم معنا خلال الفترة الماضية فيما يتعلق بالرواتب ومصاريف المكتب منذ عام كامل بدأ بتأخير الرواتب حتى 14 و 18 من كل شهر مرورا بتقسيم الرواتب نصفين وانتهاء بتأخير رواتب شهر ونصف.
- موقفكم السلبي أثناء ظروف والدي الصحية والتي أخبرتكم بها بشكل واضح تماما، وبأنني لا أطلب منكم أكثر من "راتبي" المتأخر كما هو دون زيادة أو سلفة وفي موعده الطبيعي المتفق عليه (كما وعدتم أنتم بأنفسكم أكثر من مرة) ودون أي أوضاع استثنائية قد تحملكم أعباء إضافية، وقد أخبرتكم بشكل واضح أن ذلك يؤثر بشكل أساسي ومباشر على حياته، وبالرغم من هذا لم يهتم أحد بإرسال الراتب في موعده المتفق عليه لسداد مصاريف المستشفى والعلاج ووصل متأخرا ككل شهر يوم 14 بالرغم من التزامنا خلال الشهور السابقة لهذا الظرف بالمعدل المتفق عليه والمطلوب من جانبكم، ولهذا رفضت أن توصف علاقتنا بالـ"عائلة" فنحن لسنا عائلة بعد هذا الموقف للأسف.
- وعودكم التي لا تتحقق بتحسن الوضع خلال فترات زمنية محددة لا يتم الالتزام بها ومن ثم تعطون وعودا جديدة بمواعيد جديدة وهكذا، ولقد صبرنا على هذا الوضع طوال عام كامل ولم نجد سوى تطور الوضع من سيء إلى أسوأ، وأن ما يحدث في الواقع هو عكس ما تعدون به، لهذا لم يعد بإمكاننا الوثوق بكم أو الاعتماد عليكم ماديا فيما بعد.
- بشكل شخصي لا أقبل أسلوبكم في الحوار والذي يتعمد الإهانة بشكل فج ومستمر، حالة مصر الاقتصادية لا تهم سوى أهلها ولا أقبل التلويح بها للمعايرة أو التهديد، فنحن لا نتسول، وقد سبق تنبيهكم إلى ذلك بوقت لاحق وقد تكرر مؤخرا للأسف، وكما أخبرنا الأستاذ (...) من قبل بأنه يمكننا العمل في شركة أخرى "والله الموفق"، أقول لكم بأنه يمكنكم ايجاد فريق عمل آخر أفضل "والله وليّ التوفيق".
أرجو إرسال من يمثلكم بشكل رسمي على وجه السرعة ليستلم المكتب ومتعلقاته خلال ثلاثة أيام من تاريخ إرسال هذا الخطاب قبل موعد دفع الإيجار. كما أرجو حساب باقي مستحقاتي المالية وإرسالها على حسابي البنكي في أسرع وقت.
تحياتي.
د. أشرف حمدي"
هذا هو أشرف حمدي الذي لم يكن له مصدر رزق آخر وقت كتابة الخطاب، لكنه لا يطيق من يحاول إهانة مصريته. في موقع خرابيش قدم عددًا هائلًا من الكليبات التي أغضبت الإسلاميين جدًا، مثل هذا. وفي الوقت نفسه يوجه أقذع السباب لرسام الكاريكاتور الدانمركي (لارس فيلكس) الذي قدم الرسوم التي أساءت للرسول صلى الله عليه وسلم وأحفظت المسلمين جميعًا، فيرسمه في صورة صارت شهيرة جدًا:
والطريف هنا أن الرسام رأى الصورة وراقت له جدًا، وراسل أشرف عدة مرات!! غالبًا ليتظاهر بتفتحه وتقبله للنقد.
أشرف كذلك هاجم بشراسة من يشككون في ثورة يناير وصناعها. مثلًا يدافع عن وائل غنيم في هذا الكليب. وفي الكليب التالي يتكلم عن التحرش. الواقع أنه علق بلسان حاد وفرشاة أكثر حدة على كل شيء في المجتمع المصري.
أشرف حمدي من أوائل من شاركوا في ثورة يناير، ومن الجمهور الأصلي للتحرير، لكنه في هذا البوست الأخير يتكلم بالكثير من الإحباط نتيجة خبراته في خمسة الأعوام المريرة السابقة:
"ليه بأقول مافيش فايدة؟ عشان الحلول كلها ماتنفعش.
هنا ماينفعش تعمل ديموقراطية ولا مدنية ولا علمانية ولا تسمح بحريات ولا أي حاجة من دي.. مش حنضحك على بعض .. كفاية بقى فكرة كنتاكي فيصل وماكدونالدز صفط اللبن الفاشلة.. اللي بينادوا بالكلام ده متخيلين إننا حنصحى الصبح نلاقي نفسنا في بلد الحريات والديموقراطية وحقوق الإنسان فنتعايش بقى مع بعضينا في تحضّر وننهض.. هأو.
للمرة المليون بأقول: ماينفعش تطبق نظام غربي ينزل زي ماهو كده بالبراشوت فيركب ويشتغل.. شوف انت بتركبه فين الأول. عمر سليمان لما قال إن الشعب المصري غير مستعد للديموقراطية كان عنده حق على فكرة بس النكتة في إنه واحد من اللي كانوا حريصين على إن الشعب المصري يفضل طول عمره غير مستعد للديموقراطية عشان النظام بتاعه يعيش، فهو آخر واحد يتكلم عن كده لإن هو نفسه سبب كده.
لو عملت حريات هنا حتبقى المليطة اللي على حق بقى وكل واحد يقولك أنا حر وكل واحد فاهم الحرية على مزاجه. حريات لمجتمع متطرف إزاي؟! ديموقراطية لشعب جاهل إزاي؟ (ومش بأعاير الشعب أكيد بجهله اللي مالوش ذنب فيه)
للمرة المليون بأقول إن الناس لما تبقى مستعدة لكده هي من نفسها اللي حتطالب بده وحتاخده غصب عن أي حد.. وعشان الناس تكون مستعدة لده لازم نعالج التطرف اللي من كل النواحي ده الأول ونعالج الجهل. على رأي المثل اللي طلع في الثورة : التغيير على وساخة بيجيب تسلخات.
مشكلة القوى السياسية (مشوها قوى سياسية مايضرش) إنهم فاكرين إن الشعب ده منقاد وإن البلد دي بتتحكم على طريقة: اللي يصحى الصبح بدري قبل التاني ويلحق يقعد ع الكرسي هو اللي يفرض نظامه. فييجي الإخوان يحكموا ويتخيلوا إن مصر حتبقى خلافة إسلامية تاني يوم.. هأو.. حوش حوش الدين اللي بيشر مننا ونص الشعب بيحشش وبيضرب ترامادول وقاعد على مواقع السكس ليل نهار.. هو السبكي فاتح بيته منين صحيح؟ ما دول الناس اللي بيخشوا أفلامه مش ناس من بلد تانية.
أو ييجي واحد علماني وفاكر إنه لما يمسك البلد حتبقى علمانية تاني يوم.. هأو.. ده المسيحي بيطلع عين أمه في البلد دي.. ده النوبي مضطهد وبيتعاير بلونه.. عايزنا نتعايش مع ملحدين وشواذ؟! انت عبيط ياض؟!
فهي كده قفلت خلاص.. البيضة الأول بقى ولا الفرخة؟ انت فكرك المجتمع بيتغير إزاي؟ انت عارف إن الحجاب عشان ينتشر خد أكتر من 30 سنة؟! الإحباط الحقيقي اللي وصلتله ده بسبب ثورة ماكانتش في وقتها.. فاتلعب بيها آخر حلاوة ورجعنا للمربع صفر تاني بعد موت آلاف الشباب اللي كل ذنبهم إنهم حلموا بوطن أفضل. وفي النهاية ألاقي انتخابات رئاسية المرحلة الأولى بتاعتها ترسى على مرسي وشفيق هأو أو أو آآآآآآآآآآآآآآو. مش دلوقتي لأ.. لسه شوية حلوين لما الناس تجرب وتفهم وتتعلم وتنضج ساعتها الصح هو اللي حيكون.
إنما احنا دلوقتي نستحق النظام اللي احنا عايشين فيه.. صح بقى غلط مش فارقة المهم إننا نستحق ده آه. أيوه دول الإعلاميين اللي بيمثلونا فعلًا لإننا بنتفرج عليهم أيوه.. لو كل واحد طفى أم التليفزيون وقاطع الإعلام ده لما يحس إنه بيضحك عليه الإعلام ده من نفسه حيفلس ويمشي زي ما حصل مع ريهام سعيد اللي وقعت لما الرعاة انسحبوا. السبكي حيفضل يعمل أفلام زبالة طول ماحنا بنشوفها. والصندوق حيفضل يجيب في ناس زبالة طول ماحنا بنقف ع اللجان نرقص ونهز. مش أنا اللي حأحلق زيرو وأنزل أعتصم في ميدان التحرير وأقول ثورة فأحل مشاكل البلد لأ."
أشرف حمدي موضوع طوييييييييييييل ولا يتسع المجال لأحكي كل شيء عنه. عزيزي أشرف.. أنا سعيد بصداقتك. أنت تعرف هذا كما أعرفه أنا.