رسوم الفنان طارق عزام |
عدت للبيت فأخرجت طعام العشاء من الثلاجة. وجلست ألتهم طعامي. جاء صوت جين التي صحت من نومها تسألني عما هنالك. قلت بفم مليء بالطعام:
- «أنا هنا يا ملاكي.. لا تقلقي»
ثم أنهيت طعامي فصببت لنفسي بعض الشراب وعدت لها حيث جلست في غرفة الجلوس تراقب التلفزيون. سألتني دون أن تنظر لي لانهماكها مع مسلسل سخيف:
- «كيف الحال؟»
قلت في حماسة:
- «رائع.. لو أن إد جين الذي كان يسلخ النساء ويصنع من جلودهن عباءة عاد للحياة فلن يكون سوى هذا الرجل!»
- «هل ثمة علامات على أنه من ينبش القبور؟»
- «لا علامات مباشرة. لكن اهتمامه بالموت مريب. كل العلامات تشير إلى أنه هو الرجل. لا بد أن ألتصق به لفترة»
قالت في استبشاع:
- «لا أعتقد أنها صداقة محببة.. هي كذلك خطرة»
قلت في إصرار:
- «هذا كتاب علمي.. من يكتب كتابًا عن الدرن لا بد أن يقضي وقته وسط مرضى الدرن.. لن يذهب لينعم بالهواء الطلق في الكاريبي ويكتب كتابه».
ثم طلبت منها أن تصمت.. لا أحب إطالة الجدل. هذا عملي في النهاية وشأني الخاص.
***************
وكيف لي أن أعرف أن مايكل سيرل كان قد بلغ ذروة تحمله في ذلك الوقت؟ لقد صبر لفترة طويلة، لكن كل يوم كان يفقده صبره أكثر..
هناك كان يجلس في سيارته الليكساس يراقب البيت من بعيد. وأثار دهشته أن نفس الرجل الغريب صار يتردد على البيت في نفس الساعة من كل يوم، وهو يعرف يقينًا أن صاحب البيت لا يزوره أحد.
ما زالت الذكرى تطارده..
المهندس الناجح مايكل سيرل والأسرة الهادئة الجميلة. زوجته بيتي وطفله بيلي والكلب اللطيف والحديقة وأعياد الشكر والكريسماس.. الغد ممتد للأبد كطريق تحفه الورود. كان يوقن أنه من القلائل المحظوظين الذين هزموا الخوف.
اضطرته ظروف السفر إلى قضاء أيام في كاليفورنيا. بعد أيام عاد إلى بيته الجميل..
منذ اللحظة الأولى شعر بدهشة لأن الكلب لم يخرج للقائه.. فتح الباب فلم يخرج بيلي للقائه.. في الداخل لم تأت بيتي للقائه.. أين ذهب الجميع؟
دخل متوجسًا إلى غرفة الجلوس فرآهم. بعد أن ظل يصرخ لربع ساعة اتجه إلى الهاتف ليطلب الشرطة. واكتشف أنه بلل سرواله لأنه لم يعد يتحكم في عضلاته العاصرة..
لم يكن المشهد شنيعًا.. كل واحد منهم قتل برصاصة رقيقة أنيقة في القلب. كأن من قتلهم لم يرد أن يفسد شيئًا. ثم تم وضعهم في المقاعد بشكل أنيق ليبدو كأن بيتي مسترخية والطفل على حجرها، ودارى مواضع ثقوب الرصاص بشريط لاصق ملون. حتى الكلب تم وضع دعمات لتجعله كأنه قابع على السجادة وقد رفع رأسه وخرج لسانه في مرح. تمت خياطة الجفون لتظل مفتوحة. قال المحقق إنه من الواضح أن الجريمة تمت أمس لأن الجثث بحالة ممتازة.
لماذا؟ لماذا يعمد القاتل إلى وضع قتلاه في هذا المشهد العائلي المبهج؟
احتاج الأمر لشهر في المصحة وأطنان من المهدئات إلى أن استعاد روعه. هذا ما عرفته فيما بعد.
ظلت علامات الاستفهام تحوم حول هذا اللغز إلى أن رأى صورًا فكتورية للموتى. تلك العادة الكريهة التي انقرضت لحسن الحظ. هنا أدرك أن الموتى يجلسون في أوضاع شبيهة جدًا بأوضاع أسرته التي ماتت عليها.
ظلت علامات الاستفهام تحوم في ذهنه، إلى أن رأى صورًا معاصرة لموتى. تمت معالجتها لتبدو فكتورية، لكن الثياب والملامح وتصفيفات الشعر عصرية جدًا.. هناك مجنون قرر أن يعيد هذا التقليد الفكتوري. كان هذا موقع إنترنت صربي يبيع لوحاته الرهيبة هذه، زاعمًا أن لديهم مصورًا عبقريًا يعيد استنساخ تلك الصور العتيقة. اتصل بالموقع وعرض شراء بعض اللوحات…
عندما حصل على نسخ مكبرة من هذه الصور راح يدرسها بعناية.. أدرك على الفور أن هؤلاء الموتى معاصرون جدًا. ثم أن هناك علامة يعرفها.. الأحياء تكون صورهم مهتزة في تلك الصور بينما تكون صور الموتى ثابتة محددة لأنهم لا يتنفسون. هنا في هذه الصور يبدو كل شيء ثابتًا محددًا.. أي أن كل من في الصورة موتى. السبب واضح. لا يوجد في عصرنا هذا من يرغب في التقاط صورة جوار موتاه. كل من في هذه الصور موتى..
أو ربما هم مقتولون………..؟
صار كذلك على ثقة بأنه لو انتظر وفتش جيدًا فلسوف يجد صورة أسرته. لو لم ينشرها المصور فهي ضمن مجموعته الخاصة..
ترى هل الموقع متورط؟ بالطبع لا. لا يوجد موقع إنترنت ينشر صور أشخاص قتلهم. على الأرجح يبيع المصور صوره زاعمًا أنها أوضاع تمثيلية فنية..
اتصل بالموقع بريديًا، وتظاهر بأنه صحفي يريد إجراء حوار مع المصور العبقري، فجاءه الرد بالبريد الإلكتروني:
- «يسرنا أن أعمال الفنان ماكس برودسكي قد راقت لك. ويسرنا كذلك أن نخبرك أن المصور العبقري يقيم في الولايات المتحدة في فيرمونت. لإجراء حوار يمكنك الاتصال به على رقم……………………».
ماكس برودسكي؟ صار على يقين أنه سيجد صورة أسرته القتيلة عند الفنان المزعوم. وهكذا يكون قد عرف القاتل.. أما عن سبب القتل فهو – ببساطة – لأنه مجنون.
استطاع أن يعرف عنوان ذلك البيت في ضواحي فيرمونت. وأمضى بضعة أيام يراقب المكان. يمكنه أن يدرك أن هذا الفنان مريب يتلقى زيارات عجيبة. لا يمكن أن يكون هؤلاء الزائرون موديلات. هم يبدون كاللصوص أو رجال العصابات، أما الفنان نفسه فيبدو وغدًا..
ليس المسدس.. يريد ميتة عنيفة دامية للرجل، لهذا ابتاع بلطة ومجموعة من المدى وكماشة لانتزاع الأظفار، لكن المرء لا يقتل رجلًا آخر لمجرد شكوك باهتة كهذه..
هو بحاجة إلى أن يجد صورة أسرته في بيت ذلك الرجل الكريه..
هو بحاجة إلى الدخول والتفتيش….
يُتبع