قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Wednesday, January 25, 2017

حكايات مومياء الثلوج - 5


رسوم الفنان طارق عزام

في الشارع الهادئ الخالي الذي بدأ ضوء النهار النضر يكسوه، لكن الناس لم تصح من نومها بعد. يترنح ستافرو ممسكًا بزجاجة الخمر التي لم يبق منها سوى قطرات. يتمسك بعمود نور وهو يتساءل عن سبب تحول قدميه إلى مكرونة مسلوقة. يرى العالم في غشاوة ولكم تمنى لو رأى الأفيال الوردية التي يقولون إن السكارى يرونها. لكنه لم ير فيلاً ورديًا………………

رأى السيارة الڤان الواقفة..

ترتج .. شيء يرتطم بها من الداخل كأنها تقل فيلاً هائجًا. هل هذا صوت صراخ؟

«عندما يحملك أحدهم من قفاك ليضرب برأسك سقف السيارة، فإنك لا تدري هل تختنق أم تموت من إصابة الرأس».

ثم رأى رجلين يترجلان.. أحدهما صغير الحجم والآخر قوي، وهما يهرعان إلى الجزء الخلفي من السيارة.. يفتحان الباب..

جو عام من الانزعاج والذعر.. يقفزان للداخل..

«الأسنان التي تطبق على الحنجرة ليست أروع شيء في العالم.. صدقني».

صرخة مكتومة، ورأى دمًا ينتثر على زجاج العربة، ثم صرخة مكتومة أخرى.. هذه المرة سقط رجل من الباب المفتوح.. وخيل للسكير أن الرجل بلا صدر.. أو أن هناك ثقبًا هائلاً في منتصف صدره..

من الباب الخلفي للسيارة وثب رجل ضخم له شعر طويل يتدلى على كتفيه.. كان وجهه ملوثًا بالدم، كأنه أسد فرغ من التهام وعل.. نظر حوله في توحش.. ثم داس جثة الرجل الملقى على الأرض الذي لم يعد لديه صدر…

تلفت العملاق حوله، ثم مشى نحو بناية قريبة…

نظر ستافرو إلى الزجاجة، وقدّر أنه شرب أكثر مما ينبغي.. هذا الذي يراه لا يمكن أن يكون حقيقيًا. على الأرجح هي أفيال وردية من نوع جديد..

قال لنفسه:
- «هيك!.. الساحرة الشمطاء في بيتي معها حق. كان علي أن أنام في فراشي وأنعم بالدفء.. هيك!».

ثم طوح بالزجاجة في أقرب صندوق قمامة.. في الواقع لم يكن قد بقي فيها الكثير..

***************

كلارا هرعت لتفتح الباب لأن البوّابة نائمة على الأرجح.

هي بناية متواضعة من خمسة طوابق. لها ذات الطابع الأوروبي القديم المميز. كل شقة تتكون من غرفتين ومطبخ وحمام ضيق والمواسير عتيقة والجدران مشققة، وهناك جهاز تلفزيون ينتمي لعصر ما قبل جهاز التحكم عن بعد.

صديق لمصطفى اتصل بها فجرًا على هاتف مصطفى وقال إنهم سيحضرونه لأنه ليس على ما يرام. أصابها الهلع، وراحت تنتظر سماع سيارة في الشارع الهادئ.

كلارا فتاة إيطالية لديها سمات الجمال التي تحمل شيئًا يبهر كل واحد، وقد كانت محظوظة لأنها قابلت ذلك العملاق المصري طيب القلب مصطفى. قضت معه أعوامًا سعيدة لكنها رفضت كل محاولاته للزواج.. تريد أن تظل حرة تطرده متى أرادت.. وكانت تؤمن أن كل شخص حتى شارلي شابلن نفسه سوف يصير مملاً لا يطاق بعد فترة طالت أو قصرت. عندها لا تريد أن تتحمل شخصًا مملاً.

سمعت صوت سيارة فأطلت من النافذة..

لم تفهم ما يحدث لأن السيارة الڤان تقف عند المنعطف.. ثم رأت مصطفى قادمًا من خلف السيارة..

أصابها الجزع! إنه ملوث بالدم!! وجهه وصدر قميصه.. ماذا دهاه؟

هرعت ركضًا على الدرجات المنحدرة ثم مدت يدها تولج المفتاح القديم في البوابة الخارجية. خرجت له في الشارع تنظر لعينيه الزائغتين والدم الذي يغطيه ويسيل من بين أسنانه..

- «مصطفى!.. ماذا دهاك؟؟»

واندفعت نحوه لكنه أزاحها بخشونة، ثم مد يده يطبق على معصمها..

جرها معه نحو البناية، وهي لا تفهم شيئًا..

مصطفى/ أوتسي كان يشعر بشيء غامض يقوده في هذا الاتجاه بالذات.. ثمة شيء غريزي يحركه، كأنه جاء هذا المكان مرارًا.. السبب الآخر هو أنه كان بحاجة إلى الارتواء بعد كل ما لوث فمه من دماء. كانت معركة جيدة جندل فيها خصومه ومزق حنجرة أحدهم وكسر عنق الثاني، ثم مد يده في قلب الثالث فانتزعه.. هو كالوحوش يريد شرب الماء ليزيل مذاق الدم..

ثم أنه يشعر بحاجة قوية للتكاثر.. غريزة التكاثر تدفعه دفعًا نحو هذه الأنثى..

- «مصطفى.. لماذا تشدني بهذه القوة؟».

لكنه أصدر نوعًا من الزئير..

ثمة شيء غريب هنا.. انظري له جيدًا يا بلهاء. هذا ليس مصطفى.. هاتان ليستا عينيه. هاتان عينا مجنون..

انظري جيدًا يا بلهاء.. هذا الدم على وجهه وفمه وصدر قميصه لم يأت من أي جرح في جسده.. لا توجد جراح.. ألا تلاحظين هذا؟ هذا دم غرباء!

إنه يفتح الباب.. إنه يصعد معك إلى الشقة وهو يصدر خوارًا…

***************

الكهف كان دافئًا.. تشعر بقشعريرة عندما تتذكر البرد القارس بالخارج، وكل تلك الثلوج..

هناك مساحة واسعة وسط الهوابط، تتلظى نار ممتعة. وهم جميعًا يلتفون حول النار وينظرون لك في ذعر.. رائحة لحم يشوى في مكان ما..

تتقدم مرغمًا فوق الصخور وأنت تلوح بالبلطة منذرًا. يبدون بالضبط كالرجال الذين هاجمتهم بالخارج، لكنك مرغم على الانضمام لهم لأنك لم تعد تطيق الصقيع..

يا للرائحة الكريهة!.. يأكلون وينامون ويتغوطون في مكان واحد ولا يستحمون..

تتقدم نحو النار. أنت لا تعرف بروتوكول رجال الكهف، ومن الوارد أن ترتكب خطأ قاتلاً. تجلس وتنظر لهم.. تقول لهم:
- «أنا قد جئت في سلام.. لا أريد سوى بعض الدفء!».

هنا بدا عليهم الذعر والذهول.. وتراجع بعضهم غير مصدق.. أحدهم لوح بالرمح وهتف.. فقلت أنت:
- «ماذا تريدون يا رفاق؟».

من جديد بدأ الصياح..

أدرك مصطفى الحقيقة.. هؤلاء لا يعرفون الكلام.. لا يعرفون سوى تلك الأصوات المخيفة من حلوقهم، فلابد أنهم يعتبرونه ساحرًا أو إلهًا..

تأكدت الفكرة عندما مد أحدهم يده في النار وأخرج فخذ تيس مشوية يقطر منها الدهن، وقدمها لمصطفى وهو يرتجف…

تأكدت أكثر عندما جاء أحد الرجال يحمل شيئًا وألقاه عند قدمي مصطفى فانتفض مذعورًا.. كان هذا رأسًا.. بالتأكيد رأس واحد ممن قتلهم وقد قطعوه وجلبوه له لينال رضاه.. أو هو نوع من القرابين..

تأكدت الصورة أكثر فأكثر عندما رآهم يجلبون له كائنًا قذرًا منكوش الشعر كريه الرائحة، وأدرك من نظرة سريعة أن هذا الكائن أنثى..

طبعًا.. الزعيم يجب أن يظفر بالقرابين وأفضل قطع اللحم وإناث القبيلة.. يبدو أنه سيحب حياته الجديدة فقط لو فقد حاسة الشم..

متى وكيف حدث هذا؟ ولماذا صار أوتسي؟

***************

كلارا كذلك كانت تخوض أسوأ لحظات حياتها في تلك اللحظات……….

يُتبع