من كتاب "الآن أفهم"
مجدي يقلب صفحات دفتر الائتمان وهو يختلس النظر لـ (فاتن).. لقد بدأ يمسك برأسه.. يبدو أن الصداع موضة هذا اليوم.
رسوم فواز |
نهضت (ليلى) معلنة بصوت هامس أنها سوف تذهب للحمام.. لم تكن تفعل هذا عادة.. لم يرد أحد لأنهم كانوا مشغولين مع هجمة من العملاء.
هذا الرجل البدين يصرخ بكبرياء و(ألاطة) مهددًا بأن يسبب مشاكل للجميع.. ابن خالة زوج عمته مذيع كبير ولسوف يفضحكم في برنامجه.. عيب كده.
يظهر أستاذ (محمود) الخبير الإداري وحلال المشاكل من مكان ما وهو يمسك نظارته في يده (يحب هذه الطريقة لأنها توحي بالانهماك) ويسأل العميل عن المشكلة فيرد بصوت يزلزل المصرف:
ـ "ليست معي هويتي.. معي رخصة القيادة، وهذا الأستاذ.. الأستاذ المتعلم يقول إنني لن أستطيع السحب.. صبرًا.. سترون.. لو أن كلمة من هذا الكلام بلغت ابن خالة زوج عمتي فلن يبقى واحدٌ منكم في مكتبه"
من الغريب أن هذا الطراز من الجعجعة ينجح كثيرًا، وقد اقتاد الأستاذ (محمود) عميله إلى مكتبه ليسوي المشكلة.. لكن الرجل لم ينس أن يصرخ في (جمال):
ـ "أقسم بالله أن من علّمك قد ظلمك!"
لم يستطع (جمال) الرد لأن المدير أشار له من طرف خفي أن يخرس، لكن لو ترك الأمر له لوثب وأنشب مخالبه في عنق هذا الخنزير المتغطرس.. (جمال) من الطراز العصبي الذي توشك روحه على الخروج من أنفه دعك من أنه لم ينم بعد.
*******
أنا في الحمام.
لا أحب الحمامات العامة وأشعر بالبارانويا في هذه الأماكن، لكن لابد من لحظات أتأكد فيها أن كل شيء على ما يرام.. أدخل دورة المياه وأرفع ثيابي لأتأكد من أن القنبلة في مكانها.. طرفا السلك بارزان ينتظران أن ألمسهما حيث يخرجان من تلك الفتحة في جيبي.. كنت أخشى أن يحدث الأمر صدفة، لذا قمت بعزل احد الطرفين.
صوت الصراخ يتعالى من الخارج.. العملاء يعتقدون أننا عبيد أغبياء وأن عليهم أن يصرخوا أولًا قبل طلب أي شيء.. والمشكلة هي أن عليك أن تصمت لأن العميل دائمًا على حق، مدير المصرف بالمرصاد لكل من يعلو صوته بيننا.
هل مظهري طبيعي؟ هل تبدو أية أسلاك؟
لحسن الحظ أن لدي كرشًا لا بأس به.. لا يكفي لوصفي بالقبح لكنه يخفي هذه الكارثة المعلقة على صدري..
جميل.. جميل.
أنظر لساعتي.
في الثانية عشرة ظهر يوم 5 مايو سوف ينتهي كل شيء.. تنتهي قصة حياتي وعلى الأرجح قصص حياة عدد لا بأس به من الشباب في هذا القسم. نحن نعمل بالطريقة القديمة وليس بطريقة الـ Cubicles الغربية حيث تكون هناك حواجز بين كل مكتب وآخر.. كلنا في مكان واحد ضيق وهذا.. وهذا.. سوف.. يجعل... الضرر...
الصداع من جديد.
كم أحسد (شريف).. برغم معاناته فإن الصداع الذي يصيبه يزول بأقراص (البانادول) أما أنا فصداعي لا يزول.. والأدهى أن طبيعة وضعي تحتم أن أضحك وأبتسم.
الصراخ يتعالى في الخارج.. لابد من أن أخرج لأتولى أمر هذا الرجل الذي يحسبنا خدمًا عنده.
الحادية عشرة والنصف.. الموعد يقترب.. ليت بوسعي أن أطلب منهم أن يستغفروا ربهم.. لكن هذا سيقضي على المفاجأة.. هل سيكونون في عداد الشهداء؟ أرجو ذلك.. لو كان هذا صحيحًا فإنني أقدم لهم خدمة عظمى!
.......
يُتبع