قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Friday, February 12, 2016

سيما أونطة

مجلة الشباب

http://www.cineainventat.ro/proiectorul

جرايندهاوس Grindhouse مصطلح أمريكي معناه دور السينما التي تعرض أفلامًا رخيصة إغراقية بلا قيمة سينمائية تقريبًا. مؤخرًا التقى اثنان من عشاق السينما هما تارانتينو – المخرج الأمريكي المجنون –ورودريجز المخرج الأكثر جنونًا، وقدما فيلمًا ساحرًا بنفس الاسم. الفيلم هو رسالة حب حارة مفعمة بالحنين لدور السينما الرخيصة التي علمتهما عشق السينما. لقد تعب الرجلان كثيرًا في عصر تقدم البصريات الحالي، كي يصنعا فيلمًا له نفس طابع السبعينيات. ألوان السبعينيات.. طريقة تصوير السبعينيات.. بل إن الكادرات مليئة بالخدوش.. وهناك علامات تغيير البكرة التي تظهر في ركن الشاشة الأيمن العلوي. العلامة الأولى تقول لعامل العرض أن يستعد.. العلامة الثانية يبدأ تشغيل الآلة الثانية.. العلامة الثالثة يغلق الآلة الأولى ويفتح شباك العرض للثانية.. الكادرات تهتز ككل أفلام السبعينيات.. تمادى المجنونان فجعلا الكادر يحترق في أحد المشاهد، وقد كان هذا يحدث كثيرًا عندما لا يتحمل الفيلم حرارة مصباح القوس الكهربي. بل إنهما أغفلا إحدى بكرات الفيلم!

من أكثر اللحظات إثارة في الجرايندهاوس الاستراحة، حيث ترى مشاهد من العروض القادمة أو ما يطلقون عليه اسم (تريلر). لقد قام المخرجان بعمل تريلر لأفلام لا وجود لها!.. لكنك توشك على الجنون كي ترى تلك الأفلام.. (المذءوبون النازيون).. (لا تفعل!).. (ماشيتي) عن قاتل مكسيكي يكلف بمهمة اغتيال ثم يغدرون به، فيعود بجيش لينتقم ممن خدعوه وليعلمهم أنهم (عبثوا مع المكسيكي الخطأ!).. تريلر فيلم (ماشيتي) كان ناجحًا جدًا لدرجة أنه تم فيما بعد عمل فيلم كامل عنه! أي أنك تصنع إعلانا عن سلعة ثم تخترع السلعة نفسها بعد ذلك!

عندما رأيت فيلم جرايندهاوس شعرت بالحنين.. هذا بالضبط هو الجو الذي كنت أذهب فيه للسينما في الصف الابتدائي والإعدادي، وكان كل شيء مثيرًا غريبًا له مذاق حريف. حتى اهتزازات الكادر واحتراقه أمور مألوفة جدًا.

في البداية هناك من يهربون من المدرسة لحضور الحفل الصباحي.. لم أكن منهم لأنني لم أتماد في الانحراف لهذا الدرك. كانوا يتفقون في طابور الصباح:
ـ"فيه سيم النهارده يا كابتن؟"

(سيم) هي جمع (سيما) وتنطق على وزن (قِيَم).. يتبين أن هناك حفلاً صباحيًا في سيما جندولا.. هكذا يهربون من المدرسة.. ويعودون في اليوم التالي ليحكوا عن روعة ما رأوه. أذهب أنا للسيما في مساء اليوم ذاته، ويلاحظ أنها تتحول مع أبي إلى سينما بدلاً من سيما، ونجلس في البلكون أو اللوج الغالي طبعًا.. بعد أعوام صرت أذهب للسيما وحدي أو مع اصدقائي..

كل شيء كان ساحرًا... حتى ملل العامل اللعين الذي يقرر تجاهل بعض بكرات الفيلم ليقصر فترة العرض. هكذا ترى جريمة السرقة ثم بعد لحظة ترى المخبر يخبر الفتاة أنه فهم خدعتها: "لقد كان الأحدب في عصابة كالاهان ثم فر بالمخدرات!". متى كانت هناك مخدرات؟ متى كان هناك أحدب؟... من هو كالاهان؟ من المخبر والفتاة؟ كل هذا في البكرات التي أغفلها العامل..
هنا يتصاعد الصياح بالصيحة الخالدة: "سيما أونطه.. هاتوا فلوسنا!"

أما عن مهرجان السباب بين زبائن الصالة والترسو فحدث ولا حرج.. رواد الصالة محدودو الدخل.. رواد الترسو – الدرجة الثالثة – فقراء يعيشون حياة خشنة جدًا.. ثم يجن أحد زبائن الصالة فيرمي عقب سيجارة مشتعلاً على الترسو.. هنا تنطلق صواريخ أعقاب السجائر من الترسو لتسقط في قفاك.. 
لاحظ أن السينما في الماضي كانت غرفة إعدام بدخان السجائر.. الكل يدخن بلا توقف. المهم أن الحرب تستمر حتى يظهر أحد البلطجية المكلفين بالحراسة ليلوح بشومة ويرغم الجميع على الاستمتاع بالدراما!

جرايند هاوس!... كلمني أنا عن الجرايندهاوس.. فلو كنت مخرجًا لقدمت فيلمًا عن سيما جندولا أو سيما مصر في طنطا، لن يقل روعة عما قدمه تارانتينو وردريجز!