بداية .. اشتكى بعض القراء الأعزاء من نشر القصة على حلقات حيث تكون المسافة متباعدة بين كل حلقة و أخرى.. أحب ان أنوه إلى أن نشر القصة على هذا المنوال خارج عن إرادتي.. القصص ملكية لموقع بص و طل و الموقع ينشرها بهذه الطريقة.. و نحن هنا ننشرها حال نشرها على الموقع
=================================
كان عليّ أن أعرف
عند المساء فعلت ما اقترحه صديقي طالب الطب، وهو أن آخذ قرصاً من "الفروسيمايد" المُدِرّ قبل النوم؛ هذا سيجعل نومي جحيماً متقطعاً، أخشى أن أجرّب ضبط المنبه لأن صوته سيتدخل في الحلم
في الفراش رقدت أفكّر.. ما معنى هذا كله؟
لا أعرف متى نمت؛ لكني رأيتني في المنام بوضوح شديد.. كانت شقة.. شقة لمياء زميلتي.. عرفت هذا دون كلام، وكانت تتراجع بظهرها في ذعر نحو الجدار وهي تلّوح بسكين عملاقة، وتصرخ بي
ـ "إياك أن تتقدم.. سوف أمزقك!"ـ
لكني كنت في الحلم واثقاً جداً على درجة من السخرية، وكنت أتقدم نحوها في بطء كما يفعل سفاحو الأفلام، وكنت أعرف أني أحمل سيفاً مما يسمونه "سِنجة"ـ
هنا شعرت أن مثانتي موشكة على الانفجار؛ فهرعت للحمام ولهذا لم يتبخر الحلم
عدت للنوم.. هذه المرة كانت هي تقف على إفريز بناية عالية تُطِلّ على الشارع، وقد ألصقت ظهرها بالجدار وهي تصرخ بلا انقطاع.. شعرها يطير مع الريح.. السيارات في الشارع مجرد حشرات مضيئة لا تهمد. أنا أنظر لها من النافذة، ثم أتخذ قراري وأرفع ركبتي لأخطو خارج النافذة وأمشي على الإفريز بدوري
ـ "اسمع !... سوف أثب.. أقسم بالله أنني سأثب!!"ـ
هنا صحوت من جديد
وقفت في ظلام الردهة بعض الوقت أفكّر
لسبب ما قررت ألا أواصل النوم هذه الليلة.. لم أرد أن أعرف ما سيحدث بعد هذا، فتحت الشرفة في غرفتي وأعددت كوباً من الشاي الثقيل، وجلست أقرأ في مادة وظائف الأعضاء، إن الفجر قريب، وسوف يصحو أبي من النوم، وهكذا يمكن أن أظلّ متيقظاً حتى موعد الكلية
لسبب ما لا أريد أن أنام ثانية
محمرّ العينين انتهيت من سماع المحاضرة فغادرت القاعة ووقفت بالخارج
لمياء كانت خارجة من المدرج مع صديقتها وكانت تضحك، فلما رأتني تقلّص وجهها وبدا لي أنها ترى ضبعاً متعفناً مات وهو يأكل خنزيراً، مرت جواري مسرعة فناديتها.. نظرت لي بكراهية فقلت
ـ "لا بد من كلمتين معك"ـ
انفصلت عن صديقتها، ووقفت أمامي وعقدت ذراعيها على صدرها في تحدٍّ
ـ"أفندم!"ـ
ـ "لابد أن أفهم سبب هذه الكراهية التي تنظرين بها لي.."ـ
قالت في تحدٍّ
ـ "وهل كنت مدلهة في هواك من قبل؟"ـ
ـ "لا.. لكن هناك وضعاً وسيطاً.. لنقل إنك كنت تتعاملين معي بعدم اكتراث؛ فماذا قد جدّ؟"ـ
صمتت.. بالطبع لا يمكن أن تقول.. سألتها على سبيل الاختبار
ـ "الأمر يتعلق بالأحلام؟"ـ
هنا كان رد فعلها معقّداً وغير متوقع.. لقد تقلص وجهها وقالت بصوت كالفحيح
ـ "أنت هناك دوماً.. تطاردني.. تلاحقني.. تتلصص عليّ من النافذة وتلتقط لي الصور.. تطاردني عبر الهاتف.. نفسك مليئة بالأغراض القذرة التي أنا بطلتها، ولمّا تمنّعت عنك صرت تلاحقني لتقتلني.. في كل ليلة أنت هناك تلاحقني.. في الشوارع.. في الكلية.. في حجرات منزلي.."ـ
ـ "وهل حقاً تلومينني على أشياء أفعلها في أحلامك؟"ـ
قالت العبارة التي كنت أخشاها وأعرف أنها ستقولها
ـ "أنا كائن نقي شفاف، وأعرف أن رؤيتك تتصرف هكذا في أحلامي معناها أن هذه هي حقيقتك القذرة.. أنت تتصنع التهذيب والانطواء؛ لكن أحلامي كشفت حقيقتك، وأنا أُنذرك.. ابتعد عني.. ابتعد عني فأنا لست هيّنة.."ـ
كدت أُجنّ.. عندما يعتقد الناس أنهم شفافون يصير من المستحيل أن تستخدم المنطق معهم، لو أنني حلمت بابن خالتي -الذي لم أره منذ عشرة أعوام- يركلني؛ فعلى من يقع اللوم؟.. عليّ أم على ابن خالتي؟
الشفافون يعتقدون أن اللوم على ابن خالتي
قلت لها في تعب
ـ "أخشى أننا في ورطة.. أنا لست مسئولاً عن أي شيء ترينه في أحلامك؛ لكني أعتقد أن المشكلة أعقد من هذا.. هل تتعلق أحلامك مؤخراً بمطاردة على إفريز بناية جوار نافذة؟"ـ
نظرت لي في ذهول وقالت
ـ "كيف عرفت؟.. إذن أنت كنت هناك!"ـ
الحقيقة أن في كلامها منطقاً لا بأس به.. فعلاً أنا كنت هناك
لم يكن أنا بالضبط؛ لكنه ذلك الكيان الغامض الشبيه بي، الذي يرتحل في أحلامي ليدخل أحلام الآخرين.. ولماذا يفعل ذلك؟.. على الأرجح ليحقق رغبات مكبوتة لا أعرف أنها عندي.. لهذا أنا في الحلم أكثر قوة وشراً وأكثر ثقة.. هذه أشياء لا أملكها في عالم الواقع، والحلم كما تعرفون أهم جلسة علاج نفسي مجاني في تاريخ علم النفس
أنا لست مجنوناً.. لمياء دليل حيّ على أنني لست مجنوناً.. لكن هذا يعني أنني أعاني ما هو أسوأ من الجنون.. أنا سفاح لكن هذا يتمّ برغم إرادتي
.......
يتبع