حقا لا يملك كل الناس مفاتيح النجاح بصورة متساوية. ينظر الرجل إلى جسده في المرآة ويشفط بطنه عدة مرات، ثم يفطن للحقيقة المروعة: وزني يزداد.
طبقاً لحالته المادية، إما أن يقرر الركض اليومي أو يبتاع لنفسه جهاز تدريب غالي الثمن: دراجة أو آلة تجديف، ثم يقرر أن يمنح لياقته ربع ساعة كل يوم. في اليوم الأول هو متحمس.. في اليوم الثاني هو مصمم.. في اليوم الثالث هو مُصر.. ثم بعد يومين تفتر حماسته خاصة أنه لم يتحول إلى أبوللو فجأة، ولم تزل تلك الشحوم من بطنه.. بعد أسبوعين تتحول الدراجة إلى قطعة ديكور أنيقة.. نصب تذكاري، يقول إن صاحبنا كان رياضياً يوماً ما.
بعد أعوام يضرب على بطنه المكتنزة ويقول لرفاقه في أسى:
«فقط لولا الانشغال.. لولا الانشغال لأعطيت جسدي ما يستحق من رياضة»
طبعا لا دخل للانشغال هنا.. من لا يجد ربع ساعة من وقته يومياً لابد أنه حاكم العالم.. فقط هو العجز عن المثابرة.
كقاعدة لا أحد يلعب الرياضة بانتظام أبدا ما لم تكن مهنته، أي أن يكون رياضيا محترفا سيموت جوعا لو لم يتدرب. الرجل العادي يتحمس 3 أو 4 مرات ثم ينسى الأمر، لأن المواظبة على شيء غير ملموس مملة جدا وصعبة.
ينطبق هذا على أمور أخرى كثيرة.. كلنا جربنا الادخار في طفولتنا.. ضع قرشا في الحصالة كل يوم وبعد أعوام ستكون من أثرياء العالم. كلنا تحمسنا وواظبنا على ذلك شهرا أو شهرين، ثم سرعان ما تفتر الهمة.. والأهم أنك تنسى مكان الحصالة ويضيع ما فيها من مال. البخل عادة ذميمة، لكني لا أنكر إعجابي الخفي بالبخلاء الذين يستطيعون المثابرة على عادة، مثل الاحتفاظ بباقي الشطيرة أو غلي بقايا الشاي عدة مرات، وهذه العادة يصنعون منها ثروة.
أما عن القراءة فموضوع مهم فعلا.. معظم الناس لديهم فكرة مبهمة عن يوم يقرأون فيه بنهم ويصيرون رائعين، لكن المشكلة أن هذا اليوم لا يأتي أبدا.. يقوم كل منهم بتجميع عشرات ومئات الكتب في مكتبته، وهو لا يعرف عنها إلا أغلفتها.. يقرر كل يوم أن يجلس ليقرأ ساعة يوميا.. بعد أشهر سيكون مثقفا حقيقيا لا يشق له غبار. النتيجة هي أنه يقرأ أول ثلاث صفحات في ثلاثة كتب.. ثم ينسى الأمر برمته.. لكنه يردد دوما وهو يرمق الكتب في حنين:
«فقط لولا الانشغال.. لولا الانشغال لقرأت هذا كله»
وهو لا يصدق أبدا أنه لن يقرأ.. يظل هكذا حتى يشيخ ويضعف بصره وتنتقل الكتب لورثته الذين لن يقرأوها هم أيضا.
معظم مشاريع (كلمة إسبانية كل يوم) و(بيت شعر كل يوم) و(ربع ساعة من التدريب يوميا) تفشل دائما.. راسبوتين هو المثال الوحيد الناجح الذي يحضرني هنا، فقد اتبع شعار (جرعة سم كل يوم) حتى درب جسده على تقبل جرعات سم قادرة على قتل جيش.. هذا رجل ناجح لهذا يعرفه الجميع.. صحيح أنهم أطلقوا عليه الرصاص وألقوا بجسده في نهر الفولجا المتجمد، فلربما كان السم أفضل للموت بالنسبة له، لكن هذا لا ينكر أنه رجل قوي الشكيمة.
أعرف أكثر من واحد قرر أن يغوص في عالم الموسيقى الكلاسية، وهكذا اشترى حشدا من تسجيلات بيتهوفن وموتسارت وباخ وهايدن.. يدير أول اسطوانة وينصت في انبهار واستمتاع.. سوف يصير راقيا.. سوف يصير من عشاق الموسيقى الكلاسية وخبرائها.. بعد عشر دقائق يشرد ذهنه.. بعد قليل يبدأ في الكلام عن أشياء أخرى.. بعد خمس دقائق يخرس هذه الضوضاء.. في اليوم التالي يتكاسل عن السماع.. بعد شهر غالبا ما يكون قد مسح كل هذه التسجيلات وسجل عليها أغاني (شعبان عبد الرحيم).
المواظبة! الكلمة السحرية التي تميز هؤلاء الذين نجحوا في الحياة وهؤلاء الذين لم يحققوا شيئا.. العالم ينقسم إلى المواظبين وسريعي الملل، ويمكنك بسهولة أن تعرف نوعي إذا عرفت أنني سئمت كتابة هذا المقال وأريد أن أنهيه حالا.