قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Saturday, December 25, 2010

تعليق في الصميم



نشر هذا الموقع على شبكة الإنترنت مقالي، الذي يطرح قضية سياسية مصيرية بالغة الأهمية.. إن رأيي المنشور غريب بل هو صادم، وأتوقع أن تنهال عليّ عبارات الهجوم.. ولكن هذا متوقع ومطلوب كي نبدأ نقاشًا ثريًا. تقريبًا أعرف ما سيقال وأعرف جيدًا كيف سأرد.

هكذا رحت أنتظر وأفتح صفحة الموقع كل ساعة لأرى إن كان أحدهم قد علق. كانت التعليقات في ذلك الموقع تراقب أولًا قبل نشرها.. لهذا تحتاج إلى وقت.

ثم جاء التعليق المنتظر:
«أنا سيد شحاتة من قرية منية عزام..
لما عنيكي جم في عنيا.. ولاقيت الحب سيطر عليا.. حاولت أهرب لبعيد لبعيد.. لكن القلب وما يريد.. لاقيتني في جزيرة وانتي معايا.. وكل لحظة باسمع بكايا.. عشان الحب بقى كل شيء.. وعشان أنا كنت طفلا بريئا.. إلخ»

هكذا ظل الأخ يكتب أبيات الشعر الرديء حتى أتم مئة سطر، وهكذا انكمش مقالي ليصير مجرد افتتاحية للصفحة.

بعد ساعة أخرى أضيف تعليق آخر:
«لمست ايدك شعرت بحنين.. والناس بتسأل: دي مين؟ ما رديتش عليهم لأني كتوم.. وسري بيزيد يوم بعد يوم. جايز في يوم قلبي يطق.. ويخرج سري.. ولكن.. لأ. مانيش حاقول شيئا.. لما عنيكي جم في عنيا.. ولاقيت الحب سيطر عليا.. حاولت أهرب لبعيد لبعيد.. لكن القلب وما يريد»

هكذا امتد التعليق لمدة مائتي سطر هذه المرة.. أقسم أنه يؤلف أثناء الكتابة.. يستحيل أن يكون هذا الكلام تم تأليفه من قبل.

كدت أرسل له تعليقًا يلومه لأنه اتخذ من صفحة مقالي سبيلًا للنشر.. ولأنه لا علاقة بين قصيدته الغراء وما أتكلم عنه، هنا ظهر تعليق فتاة من مصر تقول له:
«سيد شحاتة.. شعرك عاطفي رائع.. هل لديك ديوان؟»

بعد قليل رد هو:
«شكرًا لذوقك الرقيق.. لا.. لهذا أنشره هنا»

بالطبع يريد القول: «أنشره هنا في صفحة هذا الأحمق.. لا يوجد مكان يسمح بهذا في الإنترنت كلها عدا هذه الصفحة». الفتاة ترد في رقة:
«إذن أرجو أن تنشر المزيد»

وهكذا تنهمر إبداعات الفتى.. لا يمكن أن تعتقد أنه سينشر كل ما كتبه ويتوقف. لا تنس أنه يؤلف وهو ينشر، أي أنه لن يتوقف للأبد.

هنا يتدخل أحدهم:
«هل رأيتم ما فعله لاعبو الأهلي في المباراة السابقة؟ إنهم فريق مدلل»

بعد ساعة يظهر الرد:
«كف عن سب الأهلي أعظم فريق في الكون. أنت لا تفقه شيئًا في كرة القدم»

وبعد قليل تتحول الصفحة إلى مفاضلة بين الأهلي والزمالك، وما فعله مدرب الأهلي وقائمة أخطائه، وعدد ضربات الجزاء التي لم يحتسبها الحكم.. إلخ.

لا يذكر حرفًا واحدًا عن مقالي.. لقد نسي الجميع أن هناك مقالًا في أعلى الصفحة.. لقد مات المقال.. قتله الأخ سيد شحاتة. أدخل باسم مستعار (هادي المتحمس) وأكتب:
«المقال جيد لكني أختلف مع نقاط كثيرة فيه.. لماذا افترض أن المخابرات المركزية هي المسؤولة عن اغتيال يوليوس قيصر؟ أعتقد أن الكاتب يبالغ»

وأنتظر أن يعود الكلام إلى موضوع مقالي.

يرد أحدهم قائلًا:
«المقال سخيف.. لكن هذا ليس موضوعنا. نحن نتكلم عن فضيحة الأهلي في هذا الموسم»

هكذا يتحول المقال إلى موضوع رياضي ممتاز.. بينما الأخ محمد شحاتة لا يكف عن إفراغ الشعر على الموقع.. أتجه للمطبخ فأبتلع قرصًا مهدئًا وأعد لنفسي كوبًا من الشاي، ثم أعود إلى الكمبيوتر وأكتب بكل حزم تعليقي:
«أنا هادي المتحمس.. الأهلي أعظم فريق عرفته مصر.. لا أحد يجادل في هذا حتى كاتب المقال نفسه»!

وكما يقول الغربيون: إن لم تستطع هزيمتهم.. انضم لهم!