لا أدري إن كان هذا المصطلح موجودًا و تمت صياغته من قبل أم لا، لكني قمت بتركيبه من لفظتين هما (باثو + فيليا) لأدلل بذلك على حب المرض
يصعب على الناس – وبعض الأطباء – أن يصدقوا أن هناك أشخاصًا يحبون المرض بجنون. هناك في الطب مرض اسمه متلازمة (منخاوزن)، والاسم نسبة للبارون منخاوزن .. (أبو لمعة) الألماني .. أكبر كذاب في التاريخ. بالنسبة لمتلازمة (منخاوزن) فهي تسمى أحيانًا إدمان المعطف الأبيض أو إدمان المستشفيات. هنا يزور المريض المستشفى يوميًا تقريبًا ليحير الأطباء بمجموعة أمراض عجيبة تربكهم. هو يستمتع بهذا وبالشعور بأنه مريض جدًا حير مرضه الأطباء. هناك في كتب الطب طرق عدة لتحديد المريض من هذا الطراز، وهو يقترب كثيرًا من مريض الهستيريا والمتمارض .. إنه كابوس الأطباء، ومن علامات المرض أن تجد ندوبًا قديمة لجراحات استكشافية سابقة .. فالجراحون المرتبكون يضطرون كثيرًا لفتح هذا الصندوق ليعرفوا ما فيه.
عندما تخبر الشخص العادي بأن هناك من يحب المرض يضحك ساخرًا ، ويقول الكلمة الشهيرة: "هو فيه حد بيحب يعيا؟" بالفعل لا يوجد شخص يحب أن يمرض بداء عضال خطير. لا يوجد من يتمنى أن يصاب بالسرطان أو الفشل الكلوي على قدر علمي .. لكن فيما عدا ذلك فالإجابة هي (نعم.. نعم)
ولكن ما جدوى ادعاء المرض ؟
ادعاء المرض يجعل المرء يظفر بالشفقة والعناية الزائدة... ادعاء المرض يضفي عليه لمسة استشهاد لا شك فيها .. إنه رجل نبيل يتحامل على نفسه ويخفي آلامه عن الناس.. ثانيًا هو يرفع عنه المسئوليات، من منطق أنه ليس على المريض حرج .. هناك ادعاء مرض مركب .. أي أن يتظاهر الرجل بأنه مريض نبيل يخفي مرضه عن الناس حتى لا يقلقوا! هكذا يقضي وقته في أداء تمثيلي مذهل .. يرسم الألم على وجهه ثم يخفيه لأن الآخرين يرونه . وينظر لك نظرات جانبية ويسبل عينيه بمعنى (لا تدعهم يعرفوا أرجوك .. دعني أتألم في صمت!)
هناك من الناس من يضعك تحت انطباع دائم أنه مريض للأبد . لا تعرف هو مريض بأي شيء بالضبط. المهم أنه مريض وعليك ألا تتعبه ولا تجادله كثيرًا، حتى لو صفعك على وجهك أو مد يده فأخرج ما معك من نقود. هناك من يتابع البرامج الطبية ويقول مع كل مقطع: هذا أنا بالضبط! تذكره أن المتكلم في التليفزيون يناقش مرض سرطان القولون الناتج عن مرض الإيدز، فيكرر: أنا بالضبط!!
عرفت صديقًا لي كلما وقع في مشكلة أعلن أنه ذاهب لإجراء بعض الفحوصات لأن رئته ليست على ما يرام ، ويذرف الدموع ويعانق الجميع .. تنهار زوجته وتبكي ويبكي أطفاله، بينما أنا أردد أنني لا أجد سببًا لهذا الفيلم العاطفي .. ما الهدف؟
يقوم بعمل أشعة على الصدر وعدة فحوصات، ويخبره الأطباء أنه لا توجد مشكلة. يخرج من عيادة الطبيب باكيًا فيعانق الجميع من جديد ويغفر لأعدائه .. ويرتمي في حضن زوجته ويرتجف .. بينما أردد أنا من جديد أنه لا توجد مشكلة أصلاً ... لكن أحدًا لا يستمع لي .. أبدو لهم سخيفًا جدًا ومدعيًا يتظاهر بالذكاء
من ضمن الباثوفيليا، هناك المرضى الذين يعشقون الأدوية بجنون. إن للأدوية فتنة خاصة، والناس تعشقها .. كم من مرة تشاجر هذا المريض أو ذاك مع الطبيب لأنه يرغب في أن يكتب له المزيد من الفيتامين، برغم أن الفيتامين لا لزوم له إلا في حالات نادرة. وقد قال عالم أمريكي إن أعلى تركيز للفيتامينات موجود في شبكة مجاري المدينة، لأن أجسامنا تتخلص منها غالبًا باعتبارها زائدة!
أراقب في هلع ذلك الرجل عاشق الدواء الذي يأخذ أدوية مضادة للتأكسد (لأن الأطباء يرون أنها مهمة) وأدوية تنشط الكبد (لأن هذا يؤثر في المزاج) وأسبيرين لسيولة الدم، ومشتقات عشب كذا الصيني لتحسين حالة الكبد، ومشتقات نبات كذا لتحسين حالة المخ .. هو كذلك لا يترك الطب الطبيعي في حاله . لابد من كوب من منقوع الأعشاب وفصين من الثوم مع ملعقة عسل أبيض على الريق، لا بأس بكوب من اليوجورت (الزبادي) عليه ملعقة من (الردة)
تسأله عن المرض الذي يعالجه بكل هذه الأدوية، فيقول ببساطة إنه يتعاطى هذا كله كي لا يصاب بالمرض الذي أسأل عنه، وهو بالتالي لا يعرفه!
ابتلاع كل هذه الأدوية يعطيه لذة لا شك فيها، ويشعره بأنه شهيد .. شركات الأدوية تصنع أدوية كثيرة لا جدوى منها، وهكذا يشفى المريض عندما يكف عن تعاطيها .. أي أن هناك علاجًا مهمًا اسمه التوقف عن العلاج.
الباثوفيليا .. موضوع شديد التعقيد .. وأراه دليلاً واضحًا على عدم النضج، خاصة أن المدعي يتلذذ بجعل حياة من يحبونه جحيمًا .. وفي الغالب يصابون جميعًا بنوبات قلبية ويموتون، بينما يظل هو صامدًا كصخرة.
يجب على المرء أن يضع الباثوفيليا ضمن تشخيص أي مرض، ولكن عليه ألا يبالغ في ذلك. أذكر عندما كنت طبيب امتياز أن مريضًا تبدو عليه علامات الاضطراب النفسي والجنون جاء إلى الاستقبال العام يصف لي أعراضًا مبهمة، فطلبت منه أن يرقد على سرير الفحص. تدخل صديقي الطبيب وهو يوشك على الموت ضحكًا، وقال لي بالإنجليزية إن هذا المخبول يأتي كل ليلة ليقول نفس الكلام .. اطرده .. حاولت أن افتح فمي لكن صاحبي كان كالعاصفة .. هيه !.. لا تكن أبله .. ثق بكلامي ..اخص !... يا لك من احمق إذ تضيع وقتك مع هذا .. هلم .. صدقني !.. اخص !... وكتب للمريض أقراص فيتامين وطرده. بعد دقائق جاء الطبيب المقيم للأمراض الباطنية د. حسام فايد ليسألنا بأدب عمن فحص هذا المريض.. أي مريض؟.. مريض الهبوط القلبي الذي سقط على الأرض مغشيًا عليه بعد الخروج من عندنا!...سقط عند قدمي حسام فايد طبعًا. وأضاف الطبيب البارع: "أنا أشتبه بوجود سدة رئوية .. لابد من أن تدخل هذه الحالة العناية المركزة!"
بحثت عن صديقي العبقري الذي يعرف كل شيء فلم أجده طبعًا !.. لمرة واحدة لم يكن المريض يمارس الباثوفيليا بل كان مريضًا وفي حالة خطرة فعلاً. هكذا يجب على الطبيب ألا يفْرِط أو يفَرّط . وعلى المريض ألا يتسلى بادعاء المرض وخداع الطبيب لأن نتائج هذا وبيلة