كانت إيمان عبد العاطي التي حصلت على لقب أسمن امرأة في العالم، ضحية كاملة معدومة الحيلة لحفل أكلة لحوم البشر الذي عقد على جسدها، وقد اشترك في التهامها الإعلام المصري والصحافة وحتى الطبيب الهندي الذي وعد بعلاجها، وبالطبع الحكومة المصرية التي تتخذ شعار: فليعن كل واحد بصحته وأمنه وتعليمه ومسكنه. شاهد هنا جزءًا من حلقة ريهام سعيد عن إيمان.
في البداية لابد من إعطاء بعض التعريفات لفهم ما يحدث. نحن لا نعتمد على الوزن لمعرفة احتياج المريض للجراحة أم لا، بل نعتمد على معادلة معينة تقيس مؤشر كتلة الجسد Body mass index، فإذا تعدى الرقم 40 فإننا نعرف أن المريض يحتاج إلى التدخل الجراحي لأن الرجيم غير كاف، وأحيانًا نهبط بالرقم إلى 35 إذا ظهرت مضاعفات للسمنة.
جراحات تخفيض الوزن كثيرة، ويطلقون عليها اسم Bariatric surgery وهي لفظة تتركب من كلمتين بمعنى علاج السمنة. وتنقسم هذه الجراحات إلى نوعين: جراحات تقلل حجم المعدة restrictive.. وجراحات تقلل قدرة الأمعاء على الامتصاص malabsorptive. النوع الثالث خليط من الاثنين. هناك جراحات بالغة التعقيد تتضمن زرع البنكرياس في موضع والمرارة في موضع، وإلغاء معظم الأمعاء الدقيقة.. إلخ، وهي جراحات خطرة لأن الأمر يشبه قيام طفل مجنون بتخريب كل شيء، وإعادة الوضع لما كان عليه مستحيلة. لكن أكثر الجراحات شعبية وبساطة هي تثبيت رباط حول المعدة يشبه جهاز قياس الضغط، وبهذا نتحكم في حجم المعدة حسب الحاجة. يمكن للمريض أن يزيد أو يقلل حجم معدته.
ننتقل إلى القصة المؤسفة لإيمان التي أصيبت بسمنة مرضية منذ طفولتها، حتى أنها ولدت ووزنها خمسة كيلوجرامات.. الطفل العادي يولد ووزنه 3.333 كيلوجرام. كانت هناك مشاكل في الغدة الدرقية كما قيل، وهذا يضعنا في خانة داء (القماءة Cretinism). وفي سن مبكرة عجزت عن المشي وبدأت تحبو في الغرفة، ثم أصيبت بجلطة أثرت على نطقها. ظل وزنها يتزايد باطراد حتى بلغ النصف طن، وبالطبع كان لابد أن تصاب بارتفاع في ضغط الدم و داء السكري. هي حاليًا في السادسة والثلاثين من العمر، قضت 25 عامًا من عمرها سجينة الفراش.
نشرت أخت إيمان عن حالتها، فاستجاب طبيب هندي اسمه مفضل لاكدولا. وجاء لمصر كي يرى إيمان. ثم استطاع بعلاقاته أن يحصل لها على تأشيرة العلاج. وفي 11 فبراير 2017 تم تجهيز رافعات نقلتها للمطار ثم تخصيص طائرة من شركة مصر للطيران لنقلها إلى مطار مومباي.. فمستشفى سيفي. شاهد عملية نقلها هنا. وقد توقع الأطباء الهنود أن تحتاج إلى شهرين قبل إجراء الجراحة، ثم عامين قبل أن تصل لوزن أقل من مئة كيلوجرام. وقالوا إن الرجيم الذي اتبعته قلل من وزنها مئة كيلوجرام في شهر واحد. في مارس قام الأطباء باستئصال جزء من معدتها أو ما يدعى بالتكميم. هذا ما قالوه.
طلبت رأي أستاذ جراحة جهاز هضمي طنطاوي – رفض ذكر اسمه ليتفادى شبهة الدعاية – وهو نفسه أجرى الكثير جدًا من جراحات السمنة. لم يبد متفائلاً بتاتًا. هناك حدود – كا قال – لإمكانيات الجراحة لأن مريض السمنة سيحتاج لكميات هائلة من المادة المخدرة لدى إجراء جراحة.. فما قدر التخدير الذي تحتاج له إيمان التي تبلغ نصف الطن؟. جهاز التنفس الصناعي لا يستطيع التعامل مع صدر بهذا الحجم. قال إنه لابد من وضع بالون في المعدة لفترة ستة أشهر إلى أن ينخفض معدل كتلة الجسد قليلاً عن 70. ثم تبدأ الجراحة من مرحلتين: مرحلة التكميم.. ثم مرحلة تغيير المسار By-pass.
سألته عن الطبيب الهندي الذي تطوع بالجراحة، فقال إنه يرى أن الموضوع دعائي تمامًا: "للأسف ليس للمريض المصري ثمن، ومن حق أي واحد في العالم أن يلعب به ويجرب كما يشاء، بينما كانت إيمان تحتاج بالفعل إلى لجنة صحية من أطباء السمنة تتخذ القرار الصحيح.. وفي النهاية يتم عمل كل شيء في مصر، فنحن نقدر على ذلك، لكن يجب أن يكون القرار جماعيًا ومدروسًا"
الأمر دعاية ممتازة للسياحة العلاجية الهندية، وكان يمكن أن يكون دعاية للطب المصري لو أن هناك من يهتم فعلاً.
بالمناسبة من المعمم الملتحي الذي يظهر في كل الصور خلف فراش إيمان؟ هل هو زعيم هندي أو طبيب من مؤسسي المستشفى؟ بصراحة لا أعرف. أشعر كأنه شيخ طريقة.
كالعادة سيقول البعض: وماذا قدم الأطباء المصريون لها؟ هل كان عليها أن تبقى في مكانها وتنتظر الموت؟ أقول إنني ألوم الدولة ولا ألوم الفتاة وأهلها لحظة واحدة. هذه دعاية مجانية عظيمة للطب الهندي ووصمة عار للطب المصري، والمشكلة أنها غير صحيحة ولا داعي لها.. لدينا جراحون ممتازون فعلاً واسعو الخبرة.
هنا تصل أخبار مقلقة – تؤكد كلامنا – من شيماء أخت إيمان التي رافقتها في رحلة العلاج.. قالت شيماء إن إيمان لم تفقد سوى 70 كيلوجرامًا فقط وليس 250 كلج كما قالت الدعاية الهندية. معظم ما فقدته مياه وليس دهنًا. كما أنها بحاجة لأشعة رنين مغناطيسي مفتوحة لكنها لم تجر لها قط، وواضح أن حالة الفتاة تتدهور، وقد دخلت في غيبوبة عدة مرات.
أخت إيمان تقول إن أختها عوملت كفئران التجارب، وبينما صار طبيبها فائق الشهرة وترنمت الصحافة الهندية بحمده. برغم هذا حنث بمعظم وعوده ومنها وعده بأنه لن يترك إيمان إلا وهي تمشي على قدميها. اليوم يقول إنه من المستحيل أن تمشي. بل إنه قال إنه لا يتوقع أن يهبط وزنها أكثر من 70 كيلوجرامًا كل عام.
هنا فقط طلبت الأخت رأي طبيب مخ وأعصاب مصري، وقد جاء وتمكن من مقابلة المريضة بصعوبة شديدة ثم أرغموا الأخت على التوقيع على ورقة تمنعها من إفشاء ما قاله الطبيب المصري.
تقول الأخت صادقة: "ياريت من فضلكم محدش يزايد عليا ويقول انتى اللى رفضتي تعالجي أختك في مصر، أنا فضلت لحد آخر وقت منتظرة الدولة تعمل حاجة، إيمان مش حتكون ضحية البيزنس والمتاجرة بأرواح الناس، وأنا ماليش غرض الحمد لله غير إن أختى تخف، وأشوفها أحسن منى وعندي استعداد أقف قدام العالم عشان خاطرها".
ليشفك الله يا إيمان، فأنت قد تعذبت كثيرًا. بالطبع ظفرت كل الأطراف بقضمة من لحمك.. الإعلام المصري وجد فرصة ممتازة لسد بعض ساعات الفضائيات. حتى شركة النقل التي أنزلتك من دارك وضعت اسمها مع كليب الفيديو. ثم الطبيب الهندي الذي قرر أن يستخدمك للشهرة واستنفد الغرض منك، وكذلك الطب الهندي الذي نال دعاية لا يمكن أن تجلبها له المليارات. حتى في مواقع الإنترنت قرأت – لا سمح الله – خبر وفاتك مرارًا ثم اتضح انهم يتكلمون عن مريضة سمنة أخرى. أي أنهم يستخدمونك كطعم لضغطات الفأرة لا أكثر. وحكومتك لم تبال بما يحدث لك بينما كان علاجك واجبًا قوميًا يحقق مجدًا لا شك فيه للسياحة العلاجية. سامحينا يا إيمان لو كان قد بقي من لحمك جزء يمكن أن يسامحنا ولم تلتهمه الذئاب بعد.