قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Friday, September 6, 2013

حزر.. فزر - 3


الموجهة التعليمية قوية الشخصية إلى حد الشراسة، توجه سؤالها والشرر يطق من عينيها:ـ
ـ هل أنت لص؟
ـ لا

كان هذا سؤالا سخيفا لكنه منطقي جدا.. الرجل يدفعهم لحارة ضيقة لا يمكن التحرك فيها.. يعمل ليلا.. عمله له علاقة بالموت والحياة.. ليس طبيبا وليس حارسا ليليا وليس حانوتيا. ماذا يمكن أن تسأل عنه بعد ذلك؟
قال غسان في تهكم:ـ
ـ هل تتوقعين يا أستاذة نجوى أن يجيب بنعم لو كان لصا؟ 
في تحد وصلابة قالت:ـ
ـ اتفقنا على أنه لا يكذب.. قلت إن هذا يلغي معنى البرنامج أصلا

ـ هذا صحيح.. وعلى كل حال أضمن لك أنه ليس لصا إلا بشكل مجازي
مجازي؟ ما معنى لص مجازي؟ على كل حال قد جاء دور مي

البول.. البول.. صوت المياه المحبب وهي تنزاح عنك والكلية تتنفس الصعداء. كم سيكون هذا رائعا! تريد أن تفعل ذلك لتصفو أفكارها
سألت الرجل وهي تقاوم الألم:ـ
ـ ماذا تأكل؟


تدخل غسان محتجا وفي عينيه نظرة من طراز "لم أتصور هذا الغباء":ـ
ـ قلنا إننا نريد أسئلة من طراز نعم أم لا
ـ لكن هذا يضيع أسئلة كثيرة جدا.. لو كان يأكل فاصوليا فلسوف يستغرق هذا عشرة أسئلة
ـ هذه قواعد اللعبة.. خذيها أو ارفضيها

فكرت حينا في أن تنهض غاضبة، لكن هذه المواقف الدرامية لا مجال لها.. هذا ملعبهم على كل حال. هكذا استجمعت صبرها وعادت تسأل:ـ
ـ هل تأكل اللحوم؟
ـ نعم
قالها بسرعة وبلا تردد كعادته
شعرت بغيظ.. كانت بحاجة إلى سؤالين آخرين.. لكن عليها أن تنتظر وتصير تحت رحمة زميليها

****

كان إبراهيم رمزي يفكر.. يجب أن يجد السؤال التالي بسرعة. يجب أن يخمن شخصية هذا الرجل اللعين، فهو في حاجة ماسة إلى المال. كان متزوجا ولديه أربعة أبناء. برغم راتبه المرتفع لم يستطع أن يلاحق طلبات البيت المتصاعدة.. مدير الحسابات المحترم وجد نفسه في مأزق حقيقي. وهكذا بدأ يمارس الاختلاس. مثل أي واحد فينا كان يشعر أن الاختلاس يختلف جدا عن السرقة.. السرقة هي لص بفانلة مخططة يتسلق ماسورة مياه وفي فمه مطواة. الاختلاس أرقى نوعا. وكانت صورة عماد حمدي في فيلم "أم العروسة" تطارده

لقد اختلس الكثير من المال. وهو يعلم جيدا أن الجرد قادم، وذلك الاسم المرعب الكابوسي "الجهاز المركزي" قادم؛ سوف ينتهي به العمر خلف القضبان على الأرض جوار دلو للبول. طوق النجاة ألقي له عندما أخبره صديق له بهذا البرنامج الخاص الذي لا يراه أحد. شاهد بعض الحلقات وفهم كيف يتم الأمر كله

تم تحديد اليوم.. وعرف أن زوجته لن ترى البرنامج إلا فيما بعد عندما يعطونه تسجيل الحلقات

لا بأس
سوف يعرف الإجابة.. لا شك في هذا. لن يترك هاتين المرأتين تضيعان مستقبله؛ إن ما تفعلانه ببساطة هو أن تدخلاه السجن، ولماذا؟ لا بد أن المرأة المخيفة تريد أن تبدل ستائر الصالون.. الفتاة تريد استكمال الشقة.. لا أحد سواه يريد الفرار من السجن

ابتلع ريقه وجفف عرقه ثم ألقى السؤال وتمنى أن يكون الأخير:ـ
ـ هل تقيم مع أسرتك؟ 
ـ نعم

هنا تعالت الموسيقى وتحرك الكرين، وراحت الأضواء تتوهج.. وملأت الشاشة عينا غسان وهو يصيح:ـ
ـ لا تغادروا المكان ولا تغيروا القناة.. ما زلنا مع برنامج "غسان يوسف ولقاء أصدقاء نوفا".. إن عدد الأسئلة يتناقص مع الوقت.. الفرصة تقترب من نهايتها

فما أن دوى صوت الإعلانات وظهرت زجاجة الخمر على الشاشة، حتى نهضت مي.. هذه المرة لم تتظاهر بالوقار أو الهدوء. كانت تلوح بأناملها بحركة طفولية جدا يصنعها الأطفال عندما يوشكون على تبليل ثيابهم. وبدأت تفك مكبر الصوت والأسلاك دون إذن
ظهرت فتاة شابة من مكان ما، ومدت يدها تمسك بكفها.. فقال غسان وهو يتفحص الأوراق في يده:ـ
ـ خذيها للحمام يا سلمى.. أمامك 5 دقائق يا مي

مشت مي وسط قطع الديكور إلى أن دخلت ممرا مظلما يقود إلى الحمام، ووقفت سلمى خارج الباب.. من الواضح أن مهمتها أن تعود بها بسرعة وإلا كانت كارثة وفسد البرنامج كله

أولا أراحت مي نفسها.. شعرت بأن عقلها يصفو. غسلت يدها ثم تناولت جهاز المحمول وفتحته. كان مغلقا كما طلبوا منها.. طلبت رقم خطيبها صبري.. جاء صوته القلق عبر السماعة
ـ أين أنتِ؟

قالت وهي تستند إلى جهاز التجفيف بالهواء الساخن:ـ
ـ أنا في البرنامج.. هذه استراحة قصيرة
ـ أين أنتِ بالضبط؟ أعني أين أنتِ جغرافيّا؟ 
ـ لا أعلم. مكان ما في الصحراء.. ليست هذه مدينة الإنتاج الإعلامي على كل حال

قال بصوت غامض:ـ
ـ سألت كثيرين.. لي صديق إعلامي معروف.. لم يسمع أحد عن قناة نوفا هذه.. لم يسمع أحد عن برنامج اسمه "غسان يوسف ولقاء أصدقاء نوفا".. ثمة شيء خطأ هنا. أعتقد أنها عملية نصب.. أرجو أن تكوني حذرة
ـ تمنّ لي حظا حسنا فالوقت ضيق
ـ أتمنى لكِ أن تظلي سالمة

غادرت الحمام.. لم تكن الفتاة بالخارج. هذا غريب.. هي لا تعرف كيف تعود للاستوديو.. لقد ضلت طريقها وسط هذه الممرات المظلمة. تسارعت ضربات قلبها وهي تشق طريقها.. سوف يعتبرونها منسحبة

كان هناك باب جانبي موارب له محاور زنبركية.. دلفت للداخل وهي تنظر حولها. كلا. لم تأت هنا من قبل. ما هذه الرائحة الكريهة؟ مدت يدها تتلمس مفتاح النور
ليتها ما فعلت
ليتها لم تر ما رأته

شاطور.. مجموعة مدي.. نطع أو قرمة خشبية ملوثة بالدم.. كأن هذا محل جزارة نشط.. استوديو مزوّد بمحل جزارة.. هذا يبدو غريبا نوعا

وجدت مي مجموعة مدي وقرمة خشبية ملوثة بالدم ـ (رسوم: فواز) ـ

غادرت المكان وهي مندهشة متقززة

مضت في الممر لتصطدم بالفتاة سلمى.. أجفلت وأجفلت الفتاة
ـ أين ذهبت؟
ـ نفس السؤال لك.. وقفت أدخن سيجارة في الممر.. التدخين ممنوع في الاستوديو طبعا

ثم مدت يدها تمسك بيد مي.. يد باردة صلبة.. وقالت برفق:ـ
ـ هيا بنا.. لقد تأخرنا.. لا تنسي غلق المحمول

كان عقل مي يعمل بلا توقف وهي متجهة للاستوديو.. وعندما جلست في مقعدها وهرعت الفتاة تثبّت لها مكبر الصوت، كانت قد توصلت إلى سؤالها القادم.. لم تسمع السؤال الذي وجهته نجوى.. تعرف أنه بلا جدوى ولن يقود إلى شيء

عندما جاء الدور عليها نظرت للرجل الواقف خلف الستار وبنبرة واثقة سألته:ـ
ـ هل أنت غول؟ 
ساد صمت طويل وشهق البعض ثم جاء صوت الرجل:ـ
ـ نعم

كانت قد خمنت هذا.. القرمة والمدي والدم.. الرجل الذي لا يعمل إلا ليلا ويأكل اللحم.. "غسان يوسف ولقاء أصدقاء نوفا".. هذا الاسم السخيف المفتعل.. لكن لو أخذنا الحروف الأولى من كل كلمة فماذا نجد؟ غ.. ي.. ل.. ا..ن

.......

يُتبع