في عصر السادات، اعتدنا أن نسمع اسم كتاب رجل المخابرات الأمريكي مايلز كوبلاند في كل مصيبة. كان عبارة عن سلة جاهزة تلقي فيها ما تريد وتضع فيها آراءك الشخصية. مايلز كوبلاند عرض خدماته على أكثر من شركة مصرية بعد الثورة وفشل، فتفرغ لشتيمة الثورة المصرية واتهامها بأنها مؤامرة مخابرات أمريكية، وكتب كتابًا اسمه لعبة الأمم. أحد الكُتّاب قال إنه قرأ في الكتاب أن خروشوف عندما جاء لمصر رفض مصافحة محمد حسنين هيكل، وسأله في خبث عن سعر الدولار حاليًا، ثم قال إن هيكل يلعب دورًا مرسومًا كجاسوس لأمريكا يتظاهر بكراهيتها، لكن المخابرات السوفييتية عرفت الحقيقة. هكذا صار كل صحفي في مصر يتحدث عما قاله كوبلاند.
عرفنا فيما بعد أن كوبلاند له كتابان فقط، وقد ذُكر هيكل في الكتابين مرة واحدة فقط، باعتباره صديق عبد الناصر. لا أحد يقرأ طبعًا. كما أن أحدًا لم يكلف نفسه بمعرفة ما قاله البرادعي عن تسليح العراق.
معظم الناس يقتبس عبارات وهمية من كتاب كفاحي لهتلر، بينما اعترف جورنج لأحد المقربين من هتلر إنهم جميعًا – في القيادة النازية – لم يجدوا الوقت ولا البال الرائق لقراءة الكتاب كاملاً!... وهذا ينطبق على بروتوكولات حكماء صهيون.. قل ما تريد ثم ازعم أنه البروتوكول السابع أو الثامن لحكماء صهيون، بينما الكتاب نفسه مشكوك في وجوده أصلاً، وإنما قام بتأليفه ضابط مخابرات قيصري.
انتهى ذلك العصر وبدأ عصر الويكيليكس هدية جوليان أسانج للعالم.. قل أي شيء وانسبه لويكيليكس. سواء كانت هذه فبركة منك أو فبركة من صاحب الويكيليكس نفسه.
في مصر انتهى إلى حد ما عصر ويكيليكس، وبدأ عصر مذكرات هيلاري كلنتون "خيارات صعبة" التي أصدرتها في صيف 2014. هذه المذكرات جلبت للكذابين الكثير من الخير العميم والبركة. قلت من قبل إن الزوجة التي يطلب منها زوجها طبخ قلقاس، تقول له إن مذكرات هيلاري كلنتون تؤكد أن القلقاس مسموم ومسبب للسرطان.
هيلاري ظلت طويلاً في أروقة البيت الأبيض وكانت وزيرًا للخارجية، وتعرف الكثير عن كواليس السياسة. قرأت مذكراتها المترجمة للعربية، والتي صدرت عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر عام 2015، وقامت بالترجمة ميراي يونس، ويمكن أن أقول لك بثقة إن أحدًا لم يقرأ كتاب هيلاري أو - على الأقل - لم يقرأه بعناية.
منذ ظهرت هذه المذكرات، وهي المادة المفضلة لهواة الخيال العلمي من الإعلاميين المصريين. هناك من قال إنها حوت بالتفصيل قصة تعاون المخابرات الأمريكية مع منظمة 6 إبليس للقيام بكارثة 25 خساير التي كادت تخرب مصر. معذرة .. نسيت أن أترجم الكلام: منظمة 6 إبريل للقيام بثورة 25 يناير.
تقول المذكرات – حسب قراءتهم – إن الأمريكان كانوا يعتزمون مع الإخوان إعلان دولة الخلافة الإسلامية في سيناء في 5 يوليو 2013، على أن تمنح السودان حلايب وشلاتين وتفتح الحدود مع ليبيا. لكن 30 يونيو أفشل مخططهم الشرير.. وهيلاري حضرت هذا وهي وزيرة خارجية. لاحظ أكثر من كاتب ذكي أن هيلاري تركت منصب وزيرة الخارجية في فبراير 2013. أي أنها لم تعاصر 30 يونيو كوزيرة خارجية قط.
يقول الجزء "المقتطف" من مذكراتها (والذي لا وجود له في مذكراتها بتاتًا): "مصر ليست سوريا أو ليبيا، وجيش مصر قوي للغاية وشعب مصر لن يترك جيشه وحيدًا أبدا.............. مصر هي قلب العالم العربي والإسلامي، ومن خلال سيطرتنا عليها عن طريق ما يسمى الدولة الاسلامية وتقسيمها، يتم بعد ذلك التوجه إلى دول الخليج بدءا بالكويت فالسعودية فالإمارات والبحرين وعمان، وبعد ذلك يعاد تقسيم المنطقة العربية بالكامل بما فيها سائر الدول العربية ودول المغرب العربي، وتصبح السيطرة لنا كاملة خصوصًا على منابع النفط والمنافذ البحرية".
يعني هيلاري مجنونة مثل هتلر، وتشرح بالتفصيل كل خطط بلادها السرية القادمة. ولم يحاسبها أحد.
ثمة قصة هيلارية محببة لدى هؤلاء القوم؛ أن الأمريكان كانوا على استعداد لاحتلال مصر لكن الجيش أفشل خطتهم. ظهر إعلامي مصري ليقول بوجه ثابت إن الأسطول السادس الأمريكي تحرك نحو الأسكندرية لكن الطيران المصري حلق فوقه مهددًا بالقصف. ثم أن الضفادع البشرية المصرية بقيادة الفريق مميش نزلت تحت البوارج الأمريكية وأسرت قائد الأسطول، وهكذا تم الضغط على أوباما الأحمق كي ينسحب بأسطوله.
لا أناقش هنا إن كان هذا حدث أم لا.. ربما كنا أبرع من الأمريكان بكثير، لكن ما يعنيني هنا هو أن هذا الكلام لم يُذكر منه حرف في مذكرات هيلاري – الكتاب أمامي – وبالطبع لم يكن الفريق مميش قائد القوات البحرية وقتها، بل كان رئيس هيئة قناة السويس. ثم كيف تتوقع أن يتحدث مسؤول أمريكي بهذه الصراحة عن أمور تمس الأمن القومي ويذيعها خلال عام واحد من حدوثها؟
قالوا كذلك إن هيلاري اعترفت بأن واشنطن هي مؤسس تنظيم الدولة الإسلامية. كتب إيريك تريجر في واشنطن بوست بتاريخ 11 يونيو 2014: "لم تكن هيلاري قط من المعجبين بالربيع العربي، وحتى بينما الآلاف في الشوارع في يناير 2011، فإنها كانت ترى نظام مبارك مستقرًا، وتحذر إدارة أوباما من التخلص من رفيق عمل قديم. بعد هذا تعاملت مع الرئيس محمد مرسي. وهذا جعلها من معسكر (الواقعيين) كما أوضحت في مذكراتها (خيارات صعبة)، ويبدو أنها مستعدة للتعاون مع أي شخص يحكم مصر....... لكنها تعترف في كتابها بأنها سئمت نظريات المؤامرة العربية المخبولة".
بما أنني قرأت الكتاب كاملاً، فإنني سأختصك بسرين أو أربعة مما ذكرته هيلاري:
- تم القبض على أوباما قبل أن يصير رئيسًا. كان يسرق الفراخ من سطح الجيران ويسلمها لمجزر يديره واحد من الإخوان في نيو أورليانز. وقد حكم على أوباما بالغرامة، غير أن علاقته بصاحب المجزر ظلت قوية.
- أبو بكر البغدادي يقيم في بيفرلي هيلز، وهو جار ليوناردو دي كابريو. يتم تصوير خطبه الحماسية ومشاهد الذبح كلها في ستوديوهات يونيفرسال، ويخرجها كوينتين تارانتينو سرًا.
- قال أوباما لهيلاري إنه يحسد المصريين على إعلامييهم مثل عكاشة وموسى وسواهما.. هذا هو الجيل التالي لبربارا والترز ولاري كينج وأوبرا. وقال إن الحياة في عالم ليس فيه أحمد موسى قاسية فعلاً.
- استعان أوباما وقت انتخابات الرئاسة بخبراء من الحكومة المصرية ليفوز بأصوات أعلى. كانت النتيجة هي فوز حسني مبارك برئاسة الولايات المتحدة.