أشك في أن أي مخلوق على ظهر البسيطة أحب فن السينما كما أحببته في صباي. كنت أنبهر بكل شيء حتى الخطوط الناجمة عن خدوش في الفيلم، وعلامات تغيير البكرة التي تظهر في الركن العلوي الأيمن، وذرات الغبار التي تطير في الشعاع القادم من الكابينة خلفي. حتى انقطاع الفيلم وصفير المشاهدين كانت لهما إثارة خاصة. يرى البعض أنني كنت في طريقي لأن أكون مخرجًا، بينما يرى البعض أنني كنت في طريقي لأكون عامل عرض.. لا أدري بالضبط.
كنت أعتبر العامل الذي يقود المشاهدين لمقاعدهم، وحتى الكناس في السينما سحرة ممن يملكون مفاتيح هذا العالم الخيالي، فلا أستبعد أنه بعد ما نرحل يجلس طرزان وجيمس بوند وفرانكنشتاين وشيرلوك هولمز مع هؤلاء.. بينما يذهب أحد عمال السينما لشراء شطائر للعشاء، ويجلس الجميع يثرثرون ويمزحون.. يتوتر الجو نوعًا عندما يصل الكونت دراكيولا، لكنه لن يمتص دماء زملاء المهنة طبعًا!
هكذا كنت أمشي ذات يوم جوار دار السينما، شاعرًا بذلك التقديس الحالم، عندما وجدت مجموعة من كادرات السليولويد المقصوصة من أحد الأفلام، ويبدو أنها قطعت فتخلص منها عامل العرض، غير عالم أن هناك مجنونًا سيقوم بجمعها ويهرع لبيته وهو يرتجف انفعالًا.
عندما تفحصت الكادرات في البيت كان بعضها من فيلم ملون أجنبي.. وحتى في سن العاشرة كنت أعرف أن هذه لقطات مضغوطة من فيلم سينما سكوب، وفيما بعد تقوم عدسة (الهيبر جونار) بفرد الصورة لتصير عريضة. كانت اللقطة التي لفتت نظري تظهر رجلًا أفريقيًا يلبس جلد نمر ويحمل رمحًا وخلفه مشاعل، وهناك ترجمة عربية تقول: «النائمون؟ عملية سهلة»
هكذا راح خيالي يعمل كالمجنون لتخيل ما كان قبل وبعد هذه الجملة. هذا الرجل كما هو واضح قاتل.. على الأرجح هو من قبيلة من أكلة لحوم البشر. هناك من كلفه بمهمة مهاجمة معسكر فيه نائمون.. سوف يذبحهم وهم نيام وبالتالي هي عملية سهلة. هل المعسكر الذي ينوي مهاجمته خاص بالرجل الأبيض أم بقبيلة أخرى؟ لو كانت قبيلة أخرى فلماذا يكلفه شخص آخر بهذه المهمة؟
ارتحت لهذا الحل بضعة أيام، ورحت أتخيل الهجوم الليلي على النائمين.. لكن بعد أيام بدأ الفأر يلعب في عبي كما يقولون. الطرف الآخر طلب منه قتل النائمين أو مهاجمة النائمين أو ذبح النائمين.. إذن لماذا رفع لفظة (النائمون) بدلاً من أن ينصبها أو يجرها؟ ما هي الظروف التي جعلت النائمين لفظة مرفوعة؟
إذن ما طُلب منه هو أن يحدث حريقًا حتى (يفر النائمون) أو أي شيء آخر يجعل (النائمون) مرفوعة.. ثم من الطرف الآخر الذي طلب منه ذلك؟ ثم خطر لي أن يكون (النائمون) اسم أحد أبطال الفيلم أو قرية.. احتمال ضعيف جدًا. وماذا لو لم يكن هو المتكلم؟ ربما هذه العبارة تكملة لكلام الطرف الآخر، ويكون هذا الأفريقي هو الذي يصدر الأوامر.
هكذا قضيت أيامًا تعسة أحاول تخيل الملابسات التي أدت لهذه العبارة. وخطر لي عدة مرات أن أسأل كل أصدقائي عما إذا كانوا رأوا أفلامًا فيها عملية سهلة تتضمن قتل النائمين. لكن لم أجرؤ قط.
لم أشف من هذا إلا عندما وجدت كادرًا آخر من فيلم مصبوغ بالأصفر والبني.. اللون الرسمي لأفلام الكونج فو المصورة في هونج كونج. كانت الصورة تظهر رجلاً شريرًا من الطراز الصيني يكور قبضته ويلبس مثل أبطال الكونج فو، والترجمة تقول: «بالسكين؟»
لماذا يسأل؟ ماذا سيفعله بالسكين؟ ولماذا لا يحمل سكينًا ما دام ينوي استعماله؟ الخلاصة أن أعوام مراهقتي كانت تعسة جدًا بسبب حبي المجنون للسينما، والحلم الذي لم يتحقق قط هو أن أرى ذلك الفيلم الذي يقف فيه رجل أفريقي برمح قائلًا: النائمون؟ عملية سهلة. أرجو لو رأيت هذا الفيلم يومًا أن تريحني وتحكي لي كل شيء!