قصاصات قابلة للحرق

ابحث معنا

Friday, November 5, 2010

ولد قليل الأدب




حضرات السادة المجتمعين هنا في هذه القاعة الموقرة.. إنه لمن دواعي سروري أن أعرض مشكلتي التربوية عليكم، وأنا واثق من أن عقولكم النابغة قادرة على إيجاد الحل الصائب لمشكلتي.

المشكلة بكل ببساطة هي إنني – دون خلق الله جميعاً – رزقت بابن قليل الأدب.. إنه كثير الصخب، وهذا يثير أعصابي بحق.. لهذا ألومه وآمره بالصمت.. هل تعرفون ما يفعله؟ يصمت! يصمت فلا يرد على أمه ولا يجيب على أي سؤال أوجهه له.. فإذا احتججت نفذ أوامري وعاد إلى الصخب.

عندما تكون هناك مهمة عسيرة قذرة مثل إخراج كيس القمامة إلى قارعة الطريق، فأنا أطلب منه القيام بها. لقد حان الوقت كي يكبر ويتعلم.. إنه رجل ناضج الآن.. لكنه يرفض.. أما عندما تكون المهمة لطيفة محببة لنفسي – مثل دفع اشتراك الرحلة لمدرّسة اللغة الفرنسية الحسناء في مدرسته – فإنني أصر على القيام بها بنفسي لأنه ما زال طفلاً لا يستطيع القيام بهذه الأمور. الغريب أنه يصر على أن يفعل ذلك بنفسه لأنه لم يعد طفلاً.

إنه يحطم أي شيء يوجد في طريقه.. ضع كوباً أو كأسًا أمامه ولسوف يتحول إلى زجاج مطحون خلال ثلاث دقائق.. ألومه على الغفلة وعلى الاستهتار وعلى مخه الذي التهمه العث.. ثم أتراجع للخلف فيسقط دورق من فوق المنضدة ليتهشم.. هنا ألومه من جديد على حماقته إذ وضع هذا الشيء حيث لا ينبغي أن يكون.

أنتم تعرفون يا سادة أن الأطفال يحطمون الأشياء لأنهم حمقى، بينما الكبار يحطمون الأشياء لأن الأطفال حمقى.

يبدو أن هذا الفتى يحمل بذور قلة الأدب من سن مبكرة.. أذكر أنني كنت عائداً لداري بالسيارة ذات مساء وهو معي، عندما وجدت مذيعة التلفزيون الحسناء (غادة) تقف منتظرة أن توقف سيارة أجرة، وكانت تعرفني من لقاءات تلفزيونية سابقة.. عرضت عليها أن أوصلها فرحبت بهذا.. لا أكثر ولا أقل.. كانت سنه عاماً ونصف.. لكنه وجد لديه من الفصاحة ما يجعله – إذ عدنا للدار – يخبر أمه الواقفة في المطبخ بتقرير واف كامل يتلخص في التالي:
«بابا .. بيّا .. تانت».

وهو التقرير الذي لم تحتج زوجتي إلى ما هو أطول أو أكثر تفصيلاً منه.. صحيح أنها لم تعرف ما فعله بابا مع تانت في البيا، لكن لديها خيالاً على كل حال.

إنه يمنعني من أن أمنح نفسي الاحترام الذي تستحقه بجدارة.. أصف لصديقي على الهاتف مدى الزهد الذي صار يسيطر على حياتي، وكيف إنني لم أعد أبالي بالمال.. يغلبني التأثر من مدى روعتي حتى أوشك على البكاء..
هنا أسمع صوته يقول من ورائي:
«إذن لماذا تضايقت عندما ابتعت ثلاثة أكياس من الحلوى؟»

أبعد السماعة عن أذني وأقول:
«أخاف على صحتك. هذا هو السبب».

أتركه وأكلم صديقي عن زهدي في الطعام، وكيف إنني لم أعد أرغب من الطعام إلا القليل، فأسمع الصوت المزعج من خلفي يقول:
«لكنك تناولت طبقي أرز على الغداء اليوم».

فأنظر له نظرة نارية توشك على أن تحرقه.. وأقرر ألا أخبر صديقي بانشغالي بالعمل حتى لا يقول لي الولد قليل الأدب إنني لم أفعل شيئاً ذا بال منذ ثلاثة أيام.

عندما يتصل عمو (بيومي) الثرثار شديد السماجة فإنه يظل يدق جرس الهاتف للأبد.. عندما لا يرد الطرف الآخر فمن الطبيعي أن تعرف أنه غير موجود أو نائم أو لا يريد أن يرد.. عمو (بيومي) الثرثار شديد السماجة يصر على أن هناك حلاً رابعاً وهو يحاول إرغامي عليه.. النتيجة هي أنه يحطم أعصابي برنين جرس لا يتوقف ثلاث ساعات كاملة.

أطلب من ابني أن يرد ويقول إنني غير موجود.

فيرد ليخبر عمو بيومي الثرثار شديد السماجة أن بابا يقول إنه غير موجود.. والمشكلة أن الولد قليل الحياء يريد أن يتخذ من هذه الحادثة سابقة تسمح له بالكذب.

حضرات السادة.. هذه لمحات بسيطة جداً من مشكلتي التربوية التي أرغب بشدة في أن تجدوا لها حلاً أو بصيصاً من أمل.

أنا واثق من أنكم قادرون على أن تخبروني بما ينبغي عمله، وأن تشرحوا لي لماذا نأتي الدنيا نبلاء صادقين شديدي الورع والذكاء والأمانة والشجاعة، وبرغم هذا يفشل أبناؤنا في أن يكونوا واحداً على ألف مما نحن فيه.

هل يملك أحدكم إجابة؟